السؤال الذي غص في حلقي، وأنا أتابع هذا المشهد الأليم، من الذي أوغر صدر هذا الطفل ليأخذ مباريات هذه اللعبة على أنها مسألة حياة أو موت؟، من الذي سرق من هؤلاء الصغار فرصة الاستمتاع بالمباريات كلعبة مجردة نحتفي فيها بالمكسب، وقد نأسف قليلًا على الخسارة، ولكن دون أن تُفقدنا صوابنا؟، من فعل هذا بالطفولة وانتهك أجمل ما فيها ليحوّلها إلى مدفن لنفايات التعصب الكروي؟.
أدري، وتدرون أن التعصب الرياضي قد بلغ مداه في مجتمعاتنا، حتى أصبح الانتماء للفريق أكثر تجذرًا من الانتماء للأسرة عند البعض، وأدري، وتدرون عن خناقات ومشادات ومشاحنات، وحتى عن نشوز وطلاق حدثت وتحدث بسبب الكرة، ولكن لا أحد يحرك ساكنًا، وكأننا نستمتع بما يحدث، فلا وزارة الشؤون الاجتماعية قامتْ بواجبها لقراءة هذه الظاهرة، ومحاولة تفكيكها، ولا الجامعات التي تنام في العسل فكرتْ ولو لمرة واحدة أن تدخل عش الدبابير، لتعرّي من يقف خلف هذه الظاهرة البغيضة، التي تتدحرج ككرة الثلج إن لم تجد من يقف في طريقها ليذيبها بحرارة العقل المستنير.
فيما مضى، وفي بعض المحطات، كان التعصب للقبيلة قد أطلّ برأسه بعض الشيء، وبدأ الشعراء يصبّون زيته على النار، وينفخون تحتها بملْء أفواههم «شعرًا وشيلات»، لكن سرعان ما نجحتْ الداخلية في كبح جماحه. أمّا الآن فقد أصبحنا أمام (قبائل لونية) لها ألوان الأندية، وجدت ضالتها في التواصل الاجتماعي، لتنزّ سمّا زعافًا باسم التشجيع، ولا أحد يحاول أن يفك شيفرتها، رغم أن من يقف خلفها يمكن رصدهم بالاسم، وجميعهم من الموتورين، ممن يفتش عن الشهرة في الإعلام الرياضي، وتلك البرامج التي تظل تلتّ وتعجن في كل مباراة تحليلًا وتفصيلًا وتضليلًا قبل المباراة وبعدها وإلى وقت متأخر من الليل دون حسيب ولا رقيب، والسؤال الملحّ: ألم يحن الوقت لمحاسبة سدنة التعصّب وعرّابيه بنظام يُفرّق بين «الكُرَةِ والكُرْهْ» ويحمي الطفولة من مثل هذه الانتهاكات، ويعيد الرياضة للرياضة بنزع فتيل التشجيع الأخرق؟.