لم ينل طائر شهرة أكثر من طائر الفينيق على مر العصور، على الرغم من استحالة رؤيته. إنه ذلك الطائر الأسطوري الذي احتضنته الإنسانية وخلدته، وأفسحت له مكانا حميما في وجدانها ، هذه الأسطورة الخالدة أصبحت مع مرور الزمن لسان حال الإنسان، وإلهامه الذي يحثه على النهوض ويدفع به إلى الأمام لتحقيق المستحيل. وهكذا أصبح طائر الفينيق الذي يخرج من رماد الحريق، صورة تستمد منها البشرية دروسا في التحدي والتجدد والاندفاع، ورمزا تتعلق به، وتميمة ترد عنها السوء وتمنحها قوة أسطورية بلا حدود . إن أول وصف لخلود طائر الفينيق، نجده في القرن الأول الميلادي لدى المؤرخ الروماني بليني الأكبر في قوله إن طائر الفينيق يعيش في شبه الجزيرة العربية 540 عاما وبعد ذلك يموت في عشه وتنبعث منه رائحة عطرة، ومن نخاع عظامه تخرج دودة صغيرة يظهر منها طائر فينيق جديد . وورد وصف آخر لطائر الفينيق في تحولات أوفيد ، وهو شاعر روماني قديم ، استكمل النسخة الرومانية لهذه الأسطورة، جاعلا من الفينيق طائرا خالدا تتكون حياته من 500 دورة متعاقبة، بنهاية كل واحدة منها يبني الفينيق عشا على رؤوس أشجار النخيل من نباتات المر والقرفة والتوابل الأخرى، ويشتعل العش بفعل أشعة الشمس ويحترق الفينيق في النار، ومن رماده يخرج آخر صغير يعيش 500 عام لاحقة، وحين يشتد عوده يحمل رماد أجداده إلى معبد مدينة الشمس. ما سر اليابان؟ وما سر نهوضها ؟ وما علاقة تجربتها بطائر الفينيق ؟ إن سر نهوضها شيئان اثنان، هما: إرادة الانتقام من تاريخ تحدى أمة هزمت وأهينت فردت على الهزيمة بهذا النهوض العظيم، وبناء الإنسان الذي كرسه نظام التعليم والثقافة. وعلاقة تجربتها بطائر الفينيق أنها أمَّةٌ وُلِدَت من رحم الهزيمة والموت والدمار لتنهض وتبني مجداً تتصدر فيه اقتصادات العالم . إن النقلة التي أحدثها الشعب الياباني في التاريخ الإنساني تعد مثلًا أعلى لشعوب الأرض، فالهزيمة الكبرى التي لحقت بهم في الحرب العالمية أثارت في نفوس أبنائه الغيرة على بلادهم، وألهبت نيران الحماسة في صدورهم على مستقبلهم ومكانتهم بين دول العالم، حتى أصبح اسم اليابان مطبوعًا في أذهاننا ، لما يقدمه ذلك البلد من اختراعات وصناعات للعالم. لقد اوجدوا فلسفتهم الادارية الخاصة التي تعتمد تطبيق مبادئ إدارية حديثة من بينها إدارة الجودة الكاملة، والعمل بـ «روح الفريق»، وإتقان العمل ا وتحويله إلى قيمة اجتماعية مرتبطة بالثقافة اليابانية، والابتكار . وإذا ما علمنا أن اليابان لا تمتلك أية موارد طبيعية، أدركنا أن العنصر البشري هو عماد وركيزة التنمية والنهضة اليابانية، لذا كان الاستثمار في العنصر البشري من أولويات خطط التنمية والنهضة في اليابان. ومرد ذلك يعود إلى عدة عوامل من بينها: التنشئة والتربية الاجتماعية، ومناهج التعليم، وأنظمة وبيئة العمل،