يستحضر هذا المقال عنوانه من وصف صحيفة النيويورك تايمز التي وصفت المظاهرات العراقية بأنها مظاهرات ضد الاحتلال الإيراني البغيض. وأوضحت أن هذه التظاهرة هي الأضخم في تاريخ العراق الحديث، محتجين ضد الحكومة العراقية ومحتل أجنبي - هذه المرة إيران وليس أمريكا. فلما تهتف الجماهير بـ «إيران بره بره.. بغداد تبقى حرة»، هذا يعكس بشكل واضح مدى التذمر الذي وصلت له الجماهير من هيمنة النفوذ الإيراني على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العراق، وأن هذه الهيمنة على مفاصل الدولة لنهب ثروات البلد كانت السبب الأساس في انتشار الفقر والجوع والبطالة في بلد يعتبر من الدول النفطية الغنية لكن شعبه للأسف لا يستطيع الحصول على أبسط حقوقه في حياة آدمية كريمة، فانطلقت الجماهير تنفس عن غضبها وتنفجر في وجه منظومة حكام تعتبرهم أذنابا لإيران. وقد تجلت حالة الغليان أولا في حرق صورة كبيرة للخميني كانت موضوعة في أحد شوارع البصرة الرئيسية وهم يرددون شعار «إيران بره بره.. البصرة تبقى حرة». دلالة على ضرب التبعية السياسية البائسة لبلد آخر انتهك كامل السيادة من خلال منظومة حكام وميليشيات يعيثون في البلد فسادا في مقابل الحفاظ على مصالح طهران. كما تمت مهاجمة مقرات الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، ومنها حرق مقر تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم في مدينة السماوة بمحافظة المثنى جنوبي العراق. كذلك حرق مقر ميليشيات عصائب أهل الحق في مدينة السماوة، أيضا تعرض مقر منظمة بدر التي تأسست في إيران ويقودها هادي العامري للهجوم، في دلالة كذلك على ضرب الأداة العسكرية والأمنية التي تعمل على تمكين مشروع الهيمنة. كذلك تمثل حدة الغضب الشعبي تجاه إيران من خلال حملة خليها_تخيس «دعها تتلف» التي اطلقها عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة البضائع الإيرانية في محاولة لمعاقبة طهران والضغط عليها اقتصاديا من أجل وقف تدخلاتها في العراق، وكذلك إشارة إلى الشلل الكلي الذي أصاب المنتجات المحلية بسبب ترويج البضائع ذات المنشأ الإيراني ما أضرّ كثيرا بالاقتصاد العراقي ونموّه. فخلال السنوات القليلة الماضية تحول العراق إلى سوق للمنتجات الإيرانية الرديئة. إذ أشار تقرير صادر عن مؤسسة الجمارك الإيرانية في ديسمبر 2018 إلى أن إيران تصدر 21 % من صادراتها غير النفطية إلى العراق، فيما أوضح تقرير لصحيفة «دنيا الاقتصاد» الإيرانية في مايو 2019 أن العراق يعد ثاني أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات الإيرانية غير النفطية بعد الصين، إذ استقبل سلعا إيرانية بقيمة 8.9 مليار دولار بداية من 21 مارس 2018 حتى 20 مارس 2019، وهو ما يمثل ربع إجمالي صادرات إيران. بالمقابل وهو المؤسف اقتصرت استيرادات طهران من العراق على بعض المنتجات النفطية بمبلغ خجول لا يتجاوز 60 مليون دولار. وبالتالي فإيران استغلت نفوذها في العراق وحولته مكبا للبضائع الإيرانية الرديئة ضاربة بمعايير الجودة العالمية عرض الحائط، مستغلة الوضع الاقتصادي السيئ للمجتمع العراقي. أيضا وصل الغضب العراقي إلى مدينة كربلاء، والتي أصبحت تغلي ضد نفوذ طهران، إذ تم مساء الأحد الماضي «3 نوفمبر 2019» رفع العلم العراقي على القنصلية الإيرانية بعد إنزال العلم الإيراني من موقعه، ثم بعد لحظات اندلعت النيران داخل القنصلية، ثم اطلق المحتجون الألعاب النارية احتفالا بهذه العملية. فبجانب تحكم إيران بالرأي العام الشيعي العراقي تسيطر إيران على معظم المداخيل والتي تصل إلى ملايين الدولارات عبر تحكمهم بحركة السياحة كاملة، والتي تذهب في معظمها إلى جيوب إيرانيين، وتقتصر فوائد أبنائها على العمل أجراء يوميين في هذه الشركات التي تقع مقراتها في طهران وقم. وأخيرا رغم أن مطالب المحتجين الأساسية تمحورت حول تحسين الأوضاع المعيشية، ونبذ الفساد، وإصلاح واقع المؤسسات الحكومية، إلا أنهم أدركوا بوعي كبير أن أساس مشاكلهم مربوط بالوجود الإيراني في بلادهم، ومقدار النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والمذهبي الذي تمارسه إيران في بلادهم. @Alothaimin