البعض لا يتعلم من التاريخ، يتجاهلون الدروس والعبر، بدعم من أطراف لها مصالح، وهذه نزعة تدخلات طهران، في الشأن العربي، خير دليل. أسسوا لمقدمات الصراع، وزرعوا قادة في بيئة شعوب جاهلة ومقهورة وذات حاجة، حيث تتعاظم العاطفة، فتتحول لوسيلة موجَّهة. يلطخون سمعتهم، بصبغة قادتهم المصنوعين صنعا. وعليه.. من خلع شاه إيران وزرع هذا النظام؟ أليس لأهداف إستراتيجية ذات أبعاد تحقق مصالح آخرين؟. تتأكد الإستراتيجية، وتظهر مكوناتها بالتدريج، من خلال أحداث المنطقة، حيث تم استبدال الشاه بالخميني، ومنحوه لقب الإمام، وغيروا اسم الدولة إلى (جمهورية إيران الإسلامية)،. هكذا بدأ تكوين وبناء الجسد، حجرا على حجر، فكان هذا المخاض المصنوع لمنطقتنا العربية، فأصبحت وظيفتنا انتظار النتائج، وذلك كعادتنا كعرب، وهذه ميزة عظيمة، فنحن أمه لا نبدأ العداء، ولا نبدأ الحرب، ولا نبدأ الكره والبغضاء. التاريخ خير شاهد. وهذه حقيقة وليس ادعاء. إن لهذا الانتظار نتائج مؤثرة، سجلها التاريخ، ويعرفها الجميع، وخير مثال، المعارك الفاصلة المشهورة: ذي قار؛ عين جالوت؛ ومعركة حطين، بل وجميع الحروب الصليبية. إن الاحتقار والعداء الفارسي للعرب معروف عبر التاريخ، يستجره النظام في طهران، ويحركونه كوظيفة. تجاهلوا معركة القادسية ونتائجها المعروفة، وكان الفرس أول من بدأها. تجاهلوا نتائج معركة ذي قار، وكان الفرس أول من بدأها. معركتان مفصليتان في حياة الأمتين العربية والفارسية، والحديث عنهما ليس من باب التعالي. لكنهما نموذجان لنهاية محصلة استمرار إشهار العداء، وتعزيز أطنابه. وظف نظام طهران العداء التاريخي للعرب، المغروس في ثقافتهم عنوة، بهدف قدح فتيل المعارك الدامية، لتحقيق أحلام العظمة. لماذا يتجاهلون أن التاريخ سجل لها طرفا منتصرا وآخر منهزما. هذا ما يهمني، فأعتقد أن الظروف هي الظروف، والعوامل هي العوامل، والمسببات هي المسببات، والأهداف هي الأهداف. والنتائج في نهاية المطاف ستكون بنفس النتائج. للعداء قيادات في طهران، يتجددون عبر التاريخ، يتم صنعهم بنفس الأفكار التوسعية ومعطياتها، فكيف يتم انتقاؤهم، وبناؤهم، والتأثير عليهم، وإدارتهم؟ الأهم من هو الذي زرع أطماعهم السيئة، وأحلامهم التوسعية، وصورها سهلة المنال؟ هناك أطراف بمصالح، تحرك، وتؤسس، وتحمي، وتصون، وتعزز، وترعى، وتعمل لتحقيقها، حتى على المدى البعيد، عبر أجيال لم تولد بعد. هذا بخلاف المصالح الآنية والقريبة. يصبح الفكر العدواني، وتبنّي المعتقدات المغلوطة، جزءا من أدوات السيطرة عند أهل المصالح. إن الحروب والكراهية وسائل هدم لا بناء، تقود في نهايتها لمعارك مرسومة، ثمرتها انتصار مصالح الطرف المُحرّك. وهذا الخميني وصل طهران بطائرة قوى عالمية عام (1979م)، لتأكيد المؤكد، وكان شريط الكاسيت معول نجاحه، حيث تم غسل عقول النّاس، بشعارات ومعلومات مرسومة ومسمومة. ثورة الخميني لم تكن ثورة شعب، هي مرض لفكر رجل واحد، تم زرع بذوره في وقت مبكر، وتم العناية بزرعه وتنميته وصونه وحمايته، فكانت ثمرته النهائية، صياغة دستور إرهابي يحمل نصوص التوسع والنفوذ والعدوانية. أليست هذه بذرة مصالح الآخرين؟ لماذا باركتها القوى العالمية رغم تناقضها مع القانون الدولي، إنها تسيء للإسلام الذي يدعون؟ لماذا جعلوا (الثورة الإسلامية) عنوانا لها؟ أليس هذا أيضا بهدف تعميق الصراع بين المذاهب الإسلامية؟. كان يمكن أن تكون العمائم، التي حلّت على كراسي طهران، رمزا للسلام والمحبة والتعاون والبناء. بدلا من ذلك، جاءت بحرب الثماني سنوات العبثية، ليتخلّص الخميني أولا من طفرة عقول الكاسيت، التي استقبلته في المطار بحرارة، قبل أن ترتد عليه. بعدها فرضوا هذه الحروب، التي تغذيها طهران في المنطقة العربية. حروب أثبتت أن رؤية الأشياء بشكلها الصحيح، تحتاج إلى نظارة طبية فقدتها طهران.