ذهبتُ ذات مرة في مراجعة خاصة لإحدى دوائر الخدمات ـ لا أريد أن أشير إلى اسمها، لأني لستُ بصدد الشكوى، وإنما فقط من باب الاستشهاد ـ كان هنالك جهاز لإدارة طوابير العملاء في مدخل قاعة خدمة المراجعين، حاولتُ الحصول منه على رقم انتظار، لكنه كان معطلًا، عندئذ نبهني أحدهم إلى «سكورتي» يقوم بتوزيع الأرقام يدويًا، فأذعنتُ للأمر الواقع، وحصلتُ على رقمي، وجلستُ مقابل الشاشة بانتظار دوري، لكن المفاجأة أن دخل أحدهم فاستقبله الأخ «السكورتي» بحرارة، قبل أن يأتي ليجلس بجواري، حيث لمحتُ أن رقمه يسبقني بـ (17) رقمًا، بحيث حان دوره على الفور، وبمجرد خلو أول شباك خدمة، قلتُ في نفسي «معليش.. هذه مجرد واسطة صغيرة من جانب الحارس لأحد معارفه، لا ينبغي أن أحملها أكثر مما تحتمل»، ولكن أصدقكم القول: إنني فتحتُ عينيّ على ما يجري همسًا، خاصة عندما جاء عميل آخر، وأخذ رقمه بنفس الطريقة من الحارس، وما أن جلس حتى بادره أحد موظفي الخدمة بالسلام، ثم ذهب إلى «السكورتي» وأحضر له رقمًا بديلًا، ودسّه بيده، هنا فهمتُ، وأدركتُ سبب عطل جهاز إدارة الطوابير، وحكاية «السيستم عطلان» وقائمة الحيل التي تسعى لتخريب أنظمة الأتمتة، والتحايل عليها، من أجل حماية «نظام الفزعة»، وحماية نظام «تعرف أحد ؟»، أدركتُ أن مصيبتنا في الإدارة فيما مضى ليستْ بسبب نقص الأنظمة الإلكترونية، وليستْ في عدم احترام الطوابير، وإنما لأننا نرى «الفزعة» في أعظم الأمور وأكثرها تفاهة على أنها قيمة عظمى، الويل كل الويل لمن يتنكب لها، حيث لن يطهر من رجس الفضيحة أمام جماعته حتى لو تمّ تنقيعه «بالديتول» لمدة عام، والمجد كل المجد لسيادته حتى لو فُصل من عمله لإخلاله بالنظام. هذا التقديس «للفزعة» للمعارف والأقرباء، هو الذي يشوّه وجه أداء بعض أجهزة الخدمة التي لا تزال عاجزة عن إيجاد مقاربة حضارية لموظفيها بين ثقافتهم التي تسمرتْ عند الفزعة وتوابعها، وبين احترام عدالة أنظمة الأولية. هذه القصة التي أوردتها كشاهد حال على بعض الخروقات التي تقع هنا وهناك كبقعة الحبر الأسود على صفحة بيضاء لم تأخذ مني ثلاثة أرباع الساعة، لكن العبرة ليست في سرقة أوقات الآخرين لحساب خدمة المعارف والأصحاب وحسب، وإنما في هذا الإصرار البليد على ضرب ثقافة الأولوية. شخصيًا لستُ آسفًا على وقتي الضائع، فلستُ «جيف بيزوس»، ولا «بيل غيتس»، وعندي من الوقت المهدر ما يتسع لفزعات كل ذوي موظفي ذلك الجهاز، لكن الأسف كل الأسف على قدرة بعضنا على اختراع الحيل لتقويض النظام !.
[email protected]