فتحت عنوان عريض هو «تنافس القوى القديم في عصر جديد»، الذي اتخذه الملتقى عنوانا له لهذا العام، نوقش من زاويتين أو محورين رئيسيين لكنهما مترابطين، تناول المحور الأول خريطة القدرات والقوة العالمية حيث خصص هذا المحور لرسم خريطة التوزع العالمي للقدرات العسكرية من خلال مناقشة سباق التسلح الجديد بين القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والصين، والقدرات المالية من خلال مناقشة المشاكل التي يواجهها الدولار، والقدرات الاقتصادية حيث تم مناقشة التغيرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي وانتقال مقادير القوة الاقتصادية من منطقة عبر الأطلنطي إلى منطقة الباسفيكي. وتمت كذلك مناقشة قدرات الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني من خلال استكشاف دور التكنولوجيات الجديدة، وتحديدا الذكاء الصناعي والقدرات السيبرانية، كما تم التركيز على التحليل الجيوسياسي للطاقة، والبحث في التنافس على الطاقة والطاقة المتجددة في العالم. وكل ذلك في محاولة لفهم إعادة تشكيل النظام العالمي التي يتم توظيفها ضمن التنافس الجديد بين القوى الكبرى في العالم.
أما المحور الثاني، وهو حقيقة ما كان يهمني أكثر، فقد خصص لمناقشة هيكل النظام الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط، وأدوار القوى الإقليمية غير العربية، وصعود دور دول الخليج. فتحت عنوان توزع القوة في الشرق الأوسط خلص النقاش إلى أن العالم العربي يعاني من فقدان للرؤية وأن بناء العرب للقوة يحتاج أو يتمثل في القدرة على تحويل القوة الكامنة إلى قوة فعلية. وهذا يبدأ من تبني مشروع حضاري حقيقي يعطي للفرد العربي قوة الفعل في المشاركة في البناء الحضاري. وتحت عنوان إمكانات وقيود القوة في منطقة الخليج، فقد حدث جدل كبير حول من يرى وأنا منهم أننا أمام «لحظة الخليج» وأن الخليج اليوم هو مركز الثقل العربي الجديد، ورأي آخر يخالف هذا الرأي ويرى أن التحديات المهمة التي تواجه منطقة الخليج لا سيما على المستوى الأمني تقلل من جاذبية هذه الفكرة. لكن ثمة اتفاقا على أن يقوم الخليج بالاستمرار في الاستثمار في العلم والمعرفة والتكنولوجيا، باعتبار أنها القوة الحقيقية في المستقبل. وخلص النقاش في هذه الجزئية إلى أن عدم الاستقرار في منطقة الخليج هو معضلة سوف تستمر وتحتاج إلى تعزيز التحالفات والسعي الجاد لاستقرار المنطقة. كما ناقشت الجلسات الأخرى ما سمى «صفقة القرن» ودورها في إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط. وتحليل التفاعلات الإقليمية، ولأهمية هذه الموضوعات فسوف اخصص لها مقالا مستقلا لمناقشتها بشيء من التفصيل.
وأخيرا أقول إن ما يثبت أننا أمام لحظة الخليج هو هذا الملتقى الكبير التي تقف خلفه الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات، والذي أصبح أهم مؤتمر إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وقد حاز الملتقى العام الماضي المركز العاشر عالميا والأول عربيا في قائمة أفضل المؤتمرات السياسية حول العالم، لا سيما أنه هو الوحيد الذي يجمع هذا المستوى من الحضور المتنوع من السياسيين وصانعي السياسات والخبراء البارزين، ويطرح هذه الموضوعات الإستراتيجية التي تهم المنطقة والعالم. وأتمنى الاهتمام بدول الخليج على عقد مثل هذه المؤتمرات الدولية؛ لما توفره من فرص واعدة للتواصل الحضاري والثقافي، وطرح الأفكار وتبادل الخبرات التي تعود بالنفع على المصالح المشتركة.