ظهور الناس للشوارع، ورفع أصواتهم احتجاجاً على الأوضاع المتردية، ونقص الحريات العامة، أمر مألوف في إيران منذ قدوم الثورة الخمينية البائسة. حتى إنه أصبح من المستغرب أن تمر فترة زمنية طويلة نسبياً، دون أن يكون هناك صدامات بين الناس المقهورين، وبين قوى القمع في المجتمع الإيراني. الأصوات الإيرانية العالية والمئات من الأشخاص الذين ملأوا الشوارع، احتجاجاً على رفع أسعار الوقود، وبدأت أعدادهم تزداد من مدينة إلى أخرى، وهم يصرخون من الفقر، وقد يستغرب البعض إذا عرف أن 60 مليونا اليوم من الشعب الإيراني يحتاجون إلى دعم غذائي. صحيح أنه لم يمر على التظاهرات وقت طويل، ولكنها تحمل هذه المرة مؤشرات خطيرة. المؤسسات التقليدية الثورية، وأهل السياسة على مختلف تصنيفاتهم النظرية، والفارغة في الغالب من أي مضمون كبير، أثبتت الأيام الأولى من المظاهرات أنه لم يعد في مقدورهم عمل شيء يمكن أن يؤثر في حركة الجماهير، وطموح الناس إلى التغيير؛ لذا استمرت عملية التظاهر، على مدار الساعة، بل وأخذت تنتقل من مدينة إلى أخرى في أوقات قياسية، حتى إن التقديرات الأولية تشير إلى أن هناك 100 بلدة، ومدينة استعرت فيها المظاهرات الرافضة لاستمرار هذا النظام الثوري البائس. الجديد أيضاً في هذه المظاهرات أن مطالب الناس تحولت من اقتصادية إلى سياسية، وأصبحت عبارة «الموت لخامنئي» تتردد في أوساط المتظاهرين. السلطات القمعية في إيران، ورغبة منها في قمع الثورة إعلاميا، سعت منذ الأيام الأولى إلى تعطيل شبكة الإنترنت، لمنع تدفق تطورات الثورة للخارج. في وجه الحرس الثوري الذي اعتاد على إسكات كل صوت يطالب بالحقوق المشروعة له. ما يسمى بالمرشد، حمل قوات خارجية المسؤولية عما يحدث اليوم من اضطراب جماهيري على أرض إيران. وكأنها إشارة منه لعائلة الشاه السابق، ولمنظمة مجاهدي خلق المعارضة، كما اتهم صراحة الحكومة الأمريكية بأنها وراء تحريك الشارع الإيراني للتأثير على النظام بغية إضعافه، أو ربما إسقاطه.
الشعور العام المتعاظم لدى الإيرانيين اليوم هو أن الحكومة ورموزها الفاسدة، هم من يقفون وراء هذه الأوضاع الاقتصادية الخانقة، ومن الأكيد أن الناس فقدت قدرتها على مزيد من الاحتمال، فالناس لم تعد قادرة على احتمال مزيد من القهر، والظلم، والبطالة، والجوع.
وثورة البنزين تتم أسبوعها الأول، يدخل إلى المشهد العام في إيران الحرس الثوري السيئ السمعة، والمصنف كتنظيم إرهابي في أكثر من دولة، يدخل إلى الساحة بتوعده بمزيد من القتل للناس تحت مسمى استعادة الهدوء، علاوة على أنه يهدد باتخاذ إجراءات حازمة، ورادعة، لحفظ مكتسبات الثورة، وكأنه ليس للثورة من مكتسبات غير قتل الناس، إذا هم صرخوا من شدة الجوع، والفقر، والبطالة.
ما يجدر رصده، والإشارة إليه في مثل هذه الظروف، ردود الفعل الدولية، والتي جاءت في أغلبها على شكل تنديد، واعتراض، وعدم مقبولية، للإجراءات التي يقوم بها النظام في إيران تجاه المتظاهرين، أكثر من ذلك إشارة أطراف دولية أخرى إلى أن ممارسة القمع الإيراني بحق المتظاهرين يعد انتهاكا للقانون الدولي، وأنه في المجمل عمل مرفوض، ولن يطول سكوت المجتمع الدولي تجاهه. وهناك مؤشر يمكن من خلاله رصد، وفحص ما يجري في الداخل الإيراني، وهذا المؤشر ذو شقين الأول، عدد المقتولين الذين سقطوا ضحايا للقمع، وخسروا حياتهم، وقد بلغ الرقم في الخمسة الأيّام الأولى من عمر الحراك 106 ضحايا. أما المؤشر الثاني فهو أعداد المعتقلين، والموقوفين في سجون النظام، لا لشيء اقترفوه، سوى أنهم خرجوا للشارع، وطالبوا بتنحي من تسببوا لهم في الفقر، والجوع من سدة الحكم، حكم بلاد تعوم على بحيرات من النفط، ولها موارد اقتصادية هامة، وقوة بشرية كبيرة، ومع ذلك كله تقمع الناس، الذين يدركون حقيقة أنهم في مواجهة الجدار.
salemalyami@