تأتي الشائعة متدرجة وبشكل تصاعدي، تمر بأربع مراحل هي: الإبلاغ والتلقي والصياغة والتحريف، وإعادة التدوير والنشر بحسب الرغبات والميول، وما يرونه مناسبًا للحدث والظرف، وبعد مرورها بعملية الفرز والتحليل والزيادة والنقصان يخرج الخبر بصياغة أخرى، ويصل لشخص آخر يُعيد صياغته باستفاضة وكرم قبل أن ينقله للآخرين وهكذا.
غير أسوياء يشكّلون خطرًا على المجتمع، فيجعلون من أنفسهم آذانًا وأبواقًا لكل ناعق له أهداف ونوايا مخفية، عِلمها عند الله. معلومة غير مؤكدة قد تكون صادقة وقد لا تكون، وسواء أكانت هذه أو تلك.. فالأمر سيّان، لا تخرج عن كونها بلبلة فكرية وتشويهًا ذهنيًا وتشتتًا نفسيًا وإثارة جدل عقيم ونقاش هدام، وشيئًا لا يُستهان به من خيالاتهم ينشرونها على الناس، فإن كانت شائعة يدغدغون بها العواطف، فسيستقبلها المتلقي بلهفة، وفي النهاية خيبة أمل وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
والأنواع الأخرى تدمير نفسي ومعنوي، وكلها تبدأ صغيرة ثم تنتفخ وتنتشر في فضاء الكون ورحاب المجتمعات.
من المؤسف أن عالَمنا المعاصر يُسهم إسهامًا مبالغًا في نشر الشائعة خاصة في زمن الانفتاح الإعلامي وثورة التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الأقوال مع خراب ذمم البعض، وخداع الصور، والتباس الأمور التي تجعل للشائعة رواجًا وتأثيرًا بالغًا، والمؤسف أيضًا أن مَن تصله الشائعة لا يتأكد من مصدرها وصحتها، بل يسير مع التيار، ولا يدرك خطر ما يرتكب ولا مسئوليته، حيث سيقف بين يدي ربه سبحانه، ويُسأل عما فعل. «وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيِّنا وهو عند الله عظيم». «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ».
صانع الشائعة حقود حاسد، عدو للنجاح، كاره الخير لغيره، أمر لا يختلف فيه اثنان، وسحره لا شك سينقلب عليه، أما الناقل فشخص أحمق أجوف، مشكلته الفراغ القاتل الذي يسهّل له ترويج الشائعات بطرق ووسائل متنوعة، فليفكر قليلًا، وليشغل نفسه بالأهم والمفيد.
أعتقد.. بل أجزم بأن المجتمعات الراقية أكثر وعيًا ونضوجًا، وتعمل على مقاومة كل خبر مسموع أو منطوق، مصور أو مقروء متداول بين الناس، مبهم غامض مجهول، لا يُعرف له مصدر، تعتبره من الشائعات التي يجب التصدي لها بكل قوة وبكل حزم، وبكل السبل لتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع كله بكل طوائفه أفرادًا وجماعات.