توفر لنا وسائل التواصل المتعددة قاعدة كبيرة وخيارات متعددة من العلاقات الاجتماعية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، إذ يؤكد ابن خلدون في مقدمته على أن الإنسان قد فطر على العيش مع الجماعة والتعامل مع الآخرين، فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم مهما توافرت له سبل الراحة والرفاهية. ومن هنا نؤكد على الحاجة الماسة للانفتاح على المجتمع وعدم اقتصار العلاقات على المحيط الضيق للفرد، ولكن بالشكل الذي لا يجعل من هذه العلاقات عبئا على حياته وحملا ثقيلا فوق كاهله، أو أن تكون مبنية على المصالح البحتة التي تتغذى عليه وتركله حال نفاده.
أن تكون شخصا اجتماعيا ومحبوبا وذا علاقات متشعبة فهذا جيد، ولكن أن تجعل بابك مفتوحا للجميع بالشكل الذي يسمح لاستغلالك فهذا أمر سيئ للغاية، ومن المحزن أن تكون لغيرك «مجرد سلم» يستخدمه وقت الحاجة ويرميه حال الانتهاء منه، فقد أصبحت بعض العلاقات تندرج تحت مبدأ المصالح والمنافع، بعيدا عن التبادل الإنساني المعهود والعلاقات التفاعلية التي لا تخلو من المساندة بالشكل الذي لا يحدث أي ضرر بين الطرفين إن لم تتم المنفعة، لأن العلاقة لم تكن قائمة على ذلك من الأساس، وهذا ما يجعل مثل هذه العلاقات ذات أمد طويل ومثالا ساميا للعلاقات الاجتماعية التي يجب أن نحافظ عليها في حياتنا و«نفلتر» البقية التي استحوذت على حيز كبير من حياتنا واستهلكت طاقتنا التي يجب أن تصب في مكانها الصحيح.
من المؤسف أن البعض في مجتمعنا يرى أن من يبني علاقاته وفق مصالحه شخص ذكي جدا، يعرف من أين تؤكل الكتف ويحصل على ما يريد وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، مما جعل الكثير يتتبع آثاره ويحاول المشي على خطاه، ومن هذا المنطلق نشهد التشوه الحاصل في العلاقات الاجتماعية التي أصبحت ذات مدة صلاحية تنتهي بانتهاء المصلحة، مما يدخلنا في منعطف جديد من الطرق الملتوية لنيل المقاصد بعيدا عن العلاقات السوية التي طالما اتسمت بالألفة والتواد، إذ إنها لا تخلو من المنافع المشتركة بالشكل الذي لا يهدد العلاقة ولا يمس الترابط الإنساني، مما يدفعنا لنتفقد علاقاتنا، فقد نجد فيها أشخاصا ليسوا أوفياء لنا بل أفياء لحاجتهم التي لدينا، وبمجرد أن تتحول الحاجة إلى غيرنا سيتحول وفاؤهم فورا، إذ إننا نتعامل معهم بحسن نية ونقدم الخدمات لمن كنا نعتقده صديقا أو قريبا يستحق المساندة، أما هم فلا يروننا أكثر من فرصة يجب أن تقتنص، لذا يجب إعادة فهم أبجديات العلاقة وإسقاط كل من لا يستحق من تلك القائمة المكتظة بالكثير، حتى لا نقع في دائرة من يخفي وراء وجهه البشوش خرائط المخططات ودسائس المصالح التي لولاها لم يكن ليبتسم لنا.
11Lbanda@