ولعل من الملاحظ في كثير من أمصار وأقطار العالم الغنية والفقيرة على حد سواء أن الإقدام على خطوات التبرع حتى بالدماء يرتبط ارتباطا عضويا بمقدار ما يقدم للمتبرعين من أموال، بعكس ما يحدث في هذه الديار الآمنة المطمئنة فمواطنوها يتبرعون بدمائهم وأعضائهم لمن يحتاج إليها دون مقابل، وهذه خصلة حميدة تحسب لهم، فإنقاذ المرضى من خلال تلك التبرعات هو الهدف الأسمى الذي يسعون إليه، ولا يسعون إطلاقا للمطالبة بأموال لقاء تلك التبرعات بحكم إيمانهم المطلق بأن ما أقدموا عليه هو عمل إنساني يريدون به التقرب إلى خالقهم.
هي سجية من سجايا المواطنين في هذا البلد المعطاء، فهم يتحلون وفقا لخطواتهم تلك بأخلاق رفيعة واستجابة لنداء الواجب الوطني الذي يدفعهم للإقدام على التبرع بأعضائهم لكل محتاج، وقد أنقذت عمليات التبرع حياة آلاف المرضى الذين يعانون الأمرين في صراعهم المرير مع الأمراض المزمنة لا سيما ما يتعلق منها بأمراض الفشل الكلوي وغيرها من الأمراض، كما أن التبرع بالدماء على سبيل المثال لا الحصر هو وسيلة إنسانية طالما أنقذت أرواح الكثيرين لا سيما بعد الحوادث المرورية التي يحتاج أصحابها للدماء أثناء العمليات.
وتمثل اللفتة الكريمة التي وافق بموجبها ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على منح أولئك المواطنين والمواطنات وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة لقاء تبرعاتهم بأعضائهم حافزا مهما لكل مواطن في هذه الديار المقدسة للإقدام على تلك الخطوة الحميدة والمباركة لما لها من أثر فاعل ليس لتخفيف آلام المرضى وإنقاذهم من معاناتهم المريرة مع أمراضهم المزمنة فحسب بل لأن هذه الخطوة النبيلة تمثل في جوهرها أنصع صورة من صور التكافل الاجتماعي داخل المجتمع السعودي المسلم وتمثل ترجمة حرفية لمبادئ العقيدة الإسلامية السمحة التي تدعو لتعاضد المسلمين وتكاتفهم وتآزرهم وتعاونهم في الملمات والشدائد.