وعليه فقد ولد الإصلاح الاقتصادي والإداري ضمن نطاق هذه المشاريع ناقصا أو مشوها مما أثر بصورة واضحة على مجمل العلاقات الاجتماعية في توجهاتها الثقافية والفكرية، وبالتالي أصبحت السلطة تتقوى وتعيد إنتاج نفسها على حساب بناء الدولة ومؤسساتها، وعلى حساب تمتين الروابط بين الدولة والمجتمع من جانب والسلطة والفرد من جانب آخر.
يضاف إلى ذلك التدخلات الأجنبية والتحالفات حتى ما بعد الاستقلال كان لها كبير الأثر في رسم السياسات وإنتاج السياسيين ومشاريعهم، بحيث لم يبق من الأثر التاريخي لتلك المشاريع سوى الطابع الاجتماعي في التحديث. عدا ذلك لم ترق الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ونظمها إلى مستوى هذا الطابع في التحديث.
هذه الصورة بالمجمل أو شديدة الاختزالية كما أضعها هنا، تبين بالمقارنة، ولو بصورة موجزة لماذا قلنا منذ بداية المقال أن تجربة التحديث الاجتماعي بالمملكة لا تقاس بتجارب أخرى في الوطن العربي؟
فإذا كان التحديث الاجتماعي هناك أخذ وقته ومداه وتمدد على مساحات زمنية كبيرة، فإن التجربة هنا عمرها قصير غير أن زمن الصحوة أحدث ما يشبه قطيعة فرضت تحديات كبيرة بسبب الوضع الاستثنائي الذي يعيشه الوطن العربي، والظرف المحيط بالخليج العربي. من أهم هذه التحديات من وجهة نظري، والتي هي جزء أساسي من كل تحديث يطال أي مجتمع، هو الانعتاق من التفكير في الماضي والتخلص من آثاره وتبعاته السلبية على ذهنية الفرد والمجتمع دون السعي إلى الانقطاع عنه تماما، والانفتاح على العالم وتعريف العالم بالهوية الوطنية بأسلوب حضاري وثقافي بامتياز، وتبادل الخبرات في كافة المجالات، واستثمار الإنسان باعتباره إنسانا بالدرجة الأولى.
والرهان على نجاح التحديث في المملكة، بخلاف ما جرى في بعض الأقطار العربية يأتي من سببين: قوة شخصية سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- من جانب، والإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها السعودية سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي الديمغرافي.
@MohammedAlHerz3