ذكرت في مقال سابق «قضية خاشقجي: نزع فتيل الاستغلال السياسي» بعد أن أعلن النائب العام التحقيقات الأولية، موضحا كل الحقائق المتعلقة بقضية جمال خاشقجي، والملابسات التي جرت في حادثة اختفائه بكل تجرد وشفافية وواقعية، من «أن المواطن، جمال خاشقجي، مات إثر شجار داخل القنصلية السعودية في تركيا مع عدد من المشتبه بهم سعوديي الجنسية، بعدما كانت المعلومات التي تنقل للجهات الأمنية تشير إلى مغادرته القنصلية». «وأن التحقيقات مستمرة مع 18 من الموقوفين على ذمة القضية، وأن السلطات السعودية ملتزمة بإبراز الحقائق للرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة بإحالتهم إلى المحاكم المختصة في السعودية». ذكرت أن السعودية بعد الحملة الشرسة التي شنت ضدها، نجحت في فصل المسار القانوني للقضية عن الاستغلال السياسي الذي واجهته منذ وقوع الحادثة، استنادا على معلومات مغلوطة وأكاذيب وشائعات شنها الإعلام المرتبط بالإخوان المسلمين وتلقفها للأسف الإعلام العالمي.
وعدت الرياض أن هذه القضية سوف تكشف حقائقها الكاملة بعد الانتهاء من التحقيقات بكل شفافية ونزاهة وحيادية، ثم تأخذ مسارها النظامي المتبع في المملكة، وتصل للقضاء ويتم محاسبة المقصرين والمسؤولين المباشرين. واليوم وبعد عام وثلاثة أشهر من المماطلة التركية في تسليم الأدلة والقرائن، رغم إرسال الرياض 13 إنابة قضائية إلى أنقرة، وبعد عشر جلسات اتسمت بالشفافية والحيادية، حيث حضرها ممثلو سفارة تركيا، وسفارات الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بجانب منظمات إنسانية وحقوقية، وسط حضور أبناء المجني عليه، ها هي الرياض توفي بوعدها وتسدل الستار وتضع حجر الزاوية على هذه القضية التي شغلت الرأي العام العالمي، بكل شفافية وتجرد وواقعية، معلنه نتائج التحقيقات التي شملت 31 شخصا (استجواب 10 منهم، وإيقاف 21 شخصا، و11 شخصا متهما). فقد أصدرت المحكمة الجزائية المختصة في الرياض حكما ابتدائيا تضمن إعدام 5 أشخاص، وعقوبة السجن لـ 3 آخرين وتبرئة 3 متهمين سعوديين، هم أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة الذي لعدم ثبوت التهم ضده، وسعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي، لعدم وجود أدلة ضده، ومحمد العتيبي القنصل العام في إسطنبول بعد أن أثبت تواجده في مكان آخر وقت مقتل خاشقجي. أثبت القضاء السعودي للعالم أنه يتمتع باستقلالية كاملة وسعى لتحقيق الإنصاف من خلال تطبيق العدالة وسرعة التقاضي، فلا ظلم ولا مماطلة. لأن السعودية من البداية لم تقبل استغلال هذه القضية سياسيا ضدها بناء على اتهامات مرسلة. وبالتالي فالمتاجرة التركية بـ«قميص» جمال في طريقها إلى النهاية.
ما نحتاجه في المرحلة القادمة من خلال ما تمخضت عنه هذه القضية هو تقوية الجبهة الإعلامية، فهذه الحملة الشرسة والممنهجة لتشويه صورة المملكة كانت تدار إعلاميا، وتشرف عليها شركات علاقات عامة كبرى وضخت من أجلها مبالغ طائلة. وبالتالي فلا بد من تعزيز القوة الناعمة؛ الإعلامية والفكرية والتواصل الخارجي باحترافية ووعي عالٍ وممنهج. فالمنصات الإعلامية الناطقة باللغة الإنجليزية ضعيفة جدا ولا تقدم محتوى مقنعا وغير مهنية، فلا بد من إنشاء قنوات إعلامية وصحف ناطقة باللغة الإنجليزية، توصل رسائلها بمهنية عالية للجمهور العالمي. كذلك لا بد من التواصل مع مراكز الفكر الغربية، وإقامة الشراكة معها لأنها الأداة المؤثرة في صياغة الرأي العام وتوجيه وسائل الإعلام، كذلك تقوية مراكز الفكر المحلية وإعطاؤها هامشا من الحرية وتقوية دورها كشريك في صناعة القرار. يوجد في الغرب كثير من الكراسي العلمية الممولة من المملكة في جامعات غربية كبيرة، مثل هارفارد وكيمبرج وأكسفورد وغيرها من الجامعات العريقة، لكن دورها هامشي ولم يتم الاستفادة منها في نقل صورة المملكة وقضاياها بشكل صحيح. هذه القضية علمتنا أنه لا يكفي الرد على هذه المنصات الإعلامية الغربية العريقة بمراكزها الفكرية، بمنصات التواصل الاجتماعي المحلية التي لا يسمع صوتها غيرنا. وإن أثرت فتأثيرها يكون بشكل مؤقت وغير ملموس وغير علمي.
وأخيرا تعزيز التواصل مع الإعلام الخارجي باحترافية عالية، وتنمية الصناعة الإعلامية، وتعزيز المنافسة عالميا، والانفتاح على الجمهور العالمي، أصبحت ضرورة في المرحلة القادمة لإبراز صورة المملكة ومنجزاتها الحضارية والتنموية، والكشف عن النهضة والتطور اللذين تمر بهما في شتى المجالات في إطار تنفيذ رؤية 2030.
@Alothaimin