والواقع أن الحياة لا تقاس بالطول ولا بالعرض، بل تقاس بما فعلنا بها والأثر الذي تركناه خلفنا. وبناء على ذلك مهما كانت الإجازات قصيرة، يستطيع الإنسان أن ينجز فيها أعمالا نافعة عوضا عن كثرة النوم أو السفر بلا هدف.
بل حتى المسافر يمكنه أن ينجز ويستفيد من الأزمنة والأمكنة التي يرتحل فيها. فحين سافر ابن القيم أخرج لنا كتابه الرائع «زاد المعاد» في أربعة أجزاء. والشيخ الأديب علي الطنطاوي ألف كتابه «تعريف عام بدين الإسلام» خلال سفره في عشرة أيام، ولم يكن يحمل معه كتبه ومراجعه التي تركها وراءه في دمشق. وقد ذكر أنه لم يكن معه إلا القرآن الكريم، وما رسخ في عقله وما بقي من حفظه (وكان غزير الاطلاع والقراءة).
ومن طريف ما روي في شأن السفر والكتب أن حجة الإسلام أبو حامد الغزالي كان مسافرا ويحمل معه كتبه وملاحظاته، فأخذها منه قطاع الطرق، فألح عليهم أن يرجعوها إليه قائلا: علوم درستها وهي محفوظة في هذه الكتب. فضحك أحدهم وقال له: كيف تزعم أنك عرفت علمها، وعندما أخذناها أصبحت لا تعلم شيئًا وبقيت بلا علم؟. فقال الإمام الغزالي لنفسه: هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به في أمري (يعني درس لي). وبعد ذلك حرص على حفظ كل ما في الكتب. ويصدق في هذه الحادثة ما قالوا في الأمثال: العلم في الراس وليس في الكراس.
وأما إذا كنت أيها الطالب لست من المسافرين في هذه الإجازة القصيرة! فذلك خير على خير، فلديك الأشياء الكثيرة التي تقضي بها أوقاتك ما بين مشاركة في عمل تطوعي، أو تأليف أو قراءة أو بحث قصير أو صلة رحم وزيارة أقارب، أو مشاركة في عمل خيري، وغيرها من صنوف الأهداف والأعمال المتنوعة. إن المشكلة ليست في طول أو قصر الإجازة، المشكلة في أن الوقت لا ينتظر أو يتوقف لأحد. وبريان تريسي المؤلف والمحاضر الشهير يقول عن الوقت: «والخبر الجيد هو أن إدارة الوقت مهارة، وهي مثل أي مهارة قابلة للتعلم».
والإجازة هي فرصة لتنمية المواهب والهوايات، والمشاركة في الفعاليات الثقافية، وزيارة المعارض والمتاحف والمعالم الأثرية. وربما الواحد منا لم تأت له الفرصة لزيارة الأماكن التي هي قريبة منه في مدينته، لانشغاله طوال السنة بالروتين اليومي للحياة.
والتسجيل في الدورات التعليمية أو التدريبية في الإجازة هو توقيت مناسب لتنمية المهارات، وتلك الدورات أصبحت اليوم متوفرة عن طريق البث المباشر والتعليم عن بعد. والأكيد أن في هذا الزمن الذي نعيشه، يمكن القيام بالكثير من الأعمال عن طريق الإنترنت. فالأنشطة المختلفة والمتنوعة صارت في متناول اليدين، مع وفرة التطبيقات الموجودة على صفحات النت والمتاجر الإلكترونية.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا الوقت سوف يمضي سواءً أنجزنا أو تكاسلنا! والوزير ابن هبيرة قد قال: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع.
والإجازة هي فترة استراحة وتجديد للنشاط، ولكن لا يعني أن تمضي في سديم الفراغ والإهمال. والمهم اختيار ما يناسبك من الأعمال والأنشطة، فالمواهب والقدرات متفاوتة، وكل ميسر لما خلق له، فلا تلبس أو تتقمص عملا لا يلائم قدراتك البدنية والذهنية. ولولا اختلافنا في المواهب والقدرات لكنا كالآلات متشابهين حد الضجر!
abdullaghannam@