في سبيلنا للاستفادة من التجربة اليابانية في التعليم، وهي بلا شك تجربة تستحق أن تُحتذى، بدأنا باستعراض بعض المشاكل، التي عانت منها هذه التجربة، وهي ربما نفس المشاكل التي نعاني منها، كما تعاني منها الكثير من الأمم، وكان حديثنا في المقال السابق عن المدارس، التي اصطلح على تسميتها بمدارس الحشو، وهي بلا شك موجودة في أكثر نظم التعليم، خاصة في بلدان العالم الثالث، وهي تلك المدارس التي تهتم بحشو أدمغة الطلاب بالمعارف وإعدادهم للاختبارات واجتيازها، وليس لمواجهة الحياة وظروفها، ولعل هناك وجه شبه آخر هو ما عبر عنه رئيس مدرسة (نيكونوكين) اليابانية، -وهي من المدارس الرائدة في مدارس الحشو- بقوله: إنه لاحظ زيادة في أعداد طلاب هذه المدارس نتيجة للمخاوف، التي تعتري أولياء أمور الطلاب من عدم استطاعة أبنائهم مجاراة عمليات الإصلاح، التي تجريها الدولة على مدارس التعليم العام، فيلجأون إلى إلحاقهم بمدارس الحشو بحثا عن استقرار أبنائهم، ويعتقدون أنهم بذلك يدعمون تعلم أبنائهم ويوفرون لهم فرص النجاح، وهو للأسف ما يفعله بعض أولياء الأمور عندنا عندما يبحثون لأبنائهم عن مدارس في القطاع الخاص أو غيره يعتقدون أنهم بذلك يحققون الاستقرار لأبنائهم ويشجعونهم على النجاح، ويعزو بعض أولياء الأمور قلقهم إلى التغييرات المستمرة غير المدروسة، التي يشهدها نظام التعليم في بلادهم، والتي قد تؤدي من وجهة نظرهم إلى أن يتعرض نظام التعليم للتدهور من حيث جودته ومستوياته، ولذلك فإن بعض الإحصائيات تعبر عن تزايد استعداد الآباء للإنفاق على الخدمات التعليمية، التي تقدمها مؤسسات التعليم الخاص (الأهلي) بصورة أكبر؛ سعيا وراء الحصول على نوعية أفضل من التعليم، مما جعل مدارس الحشو تشهد ازدهارا اقتصاديا ورواجا تجاريا، وإن كان ليس بالمستوى، الذي شهدته في الثمانينيات من القرن الماضي (العشرين) حين بلغ عددها خمسين ألف مدرسة، ومع ذلك، فإن التقديرات الحالية لإجمالي الاستثمارات في هذه المدارس تبلغ 12 مليار ريال. ومع اختلاف الآراء والمواقف من مدارس الحشو، والاختلاف حولها، فإنها تظل جزءا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والتعليمية في اليابان، لاسيما أنها تركز في حملاتها التسويقية على المخاوف، التي يحس بها الآباء من مستقبل أبنائهم، خاصة من ناحية المناهج المعتمدة في المدارس الرسمية، التي يعتقدون أنها لا تحقق المستوى، الذي يؤهل أبناءهم للالتحاق بالجامعات أو اكتساب المهارات والمعارف، التي يتطلبها سوق العمل. أما منتقدو هذه المدارس، فهم في المقابل يعتقدون أنها السبب في العديد من المشاكل النفسية، التي يصاب بها الطلاب نتيجة لما يتعرضون لها من الضغوط النفسية والعصبية، وكذلك ارتفاع معدلات الانتحار فيما بينهم، خاصة في حالات الفشل إضافة إلى ارتفاع موجات السلوك العنفي في المدارس الثانوية إلى جانب الدور السلبي، الذي تلعبه هذه المدارس في إضعاف الدور الحيوي، الذي تقوم به المدارس الرسمية، حتى إن وزارة التعليم اليابانية ترى أن مدارس الحشو تمثل تهديدا خطيرا للنظام التعليمي الحكومي في البلاد، مما دفع المسؤولين إلى العمل على الحد من أعداد هذه المدارس أو العمل على التخلص منها بشكل كلي غير أن هناك عقبات تحول دون تحقيق هذه المحاولات، وفي مقدمتها أن هذه المدارس تعتبر من المؤسسات الخاصة، التي تطرح أسهما كبيرة منها في البورصة، وهي بذلك لا تخضع لقوانين التعليم ولا لسلطة مسؤولي التعليم، ولا تطبق عليها القوانين، التي تصدرها هذه السلطات رغم ضراوة الانتقادات، التي توجه إليها من وقت لآخر، بل وعلى الرغم من هذه الانتقادات فلم تجد وزارة التعليم مؤخرا مناصا من الاعتراف بالدور المهم، الذي تلعبه هذه المدارس في تحقيق التلاميذ اليابانيين نتائج وإنجازات متقدمة.
@fahad_otaish