» وطنية حقيقية
القاص عبدالله الناصر: الزامل كان من الشخصيات الثقافية والاجتماعية المتميزة المحبوبة من جميع من عرفه وكان قريبا منه، كان متميزا علميا وثقافيا، يتسم بالتواضع، ومتميزا في كل شيء، وخاصة في الكتابة والحديث من خلال المحاضرات والندوات التي يشارك فيها، وكان واضحا من خلال نشاطه الثقافي والاجتماعي والعلاقات الواسعة مع فئات الناس، كان يتميز بالحضور الذهني القوي والرائع ومحبا للجميع وودودا مع الجميع، كل من يتعرف عليه يشعر بأنه يعرفه من زمن، وكان وطنيا وطنية حقيقية خاصة عندما كان عضوا في مجلس الشورى من خلال ما يطرح من قضايا تهم كل فئات الناس، كان يجيد إقامة العلاقات مع الجميع ويتواصل معهم بشكل جميل ورائع، ولأنه لم يكن إنسانا عاديا، فقد كان صاحب أثر واضح أينما كان يحل، كان الحزن كبيرا لفقدانه تراه على وجوه الناس ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
» تجربة طويلة
فيما يقول الكاتب والقاص فالح الصغير: الحديث عن نجيب الزامل -يرحمه الله- حديث عن التجربة الطويلة خلال مرحلة العمل في جريدة «اليوم»، فهو مجموعة من الأفكار التي تطرح في أوقات متفاوتة، وهده الأفكار تكون حماسية، وفيها من محاولات الفعل الباحث عن النقد، ومن الطبيعي أنه لا يمكن لأي إنسان أن ينفذ كل ما يفكر به، لأن الأمور ترتبط بأشخاص آخرين وإمكانيات قد لا تتوافر في الشخص صاحب الفكرة، لكنه يسعى لما يملك ولما يمكن أن ينفذه بإمكانياته المحدودة، كما كان يملك القدرة على القراءة في كل اتجاه، وعندما تناقشه في أي فكرة يطرح ما لديه من خلال قراءاته المتعددة والكثيرة، فيعطيك نوعا من القراءات الواسعة جدا في الطب والفلسفة والذرة، كما كان يمتلك قدرة على كسب الأصدقاء، ويتواصل معهم ويعمل على استمرارية هذا التواصل، ويجيد الحديث والخطابة، ويعقد المحاضرات في المجالات التي يجيدها.
» مثقف عضوي
ويضيف الشاعر جاسم الصحيح: برحيل هذا الأستاذ النبيل، تعطل معمل هائل من معامل الطاقة المعرفية في الوطن، معمل كان يمد آلاف العقول الشابة بالثقافة والوعي الإنساني، ويفتح أمامها آفاق المستقبل ويوسع مداركها بالحياة، لم يكن الأستاذ نجيب مجرد مُنظر قابع في عزلته أو برجه العاجي ويملي أفكاره، أبدا لم يكن كذلك، وإنما كان مثقفا عضويا بكل ما يعنيه هذا المصطلح من معنى، فقد عرفناه في المشهد الثقافي كاتبا لا يغيب عن الندوات بفكره وحضوره الشخصي الذي يملأ المكان والزمان وعقول الشباب، كما كان صاحب مبادرات إنسانية لا يمكن أن تُنسى كما هي مبادراته على صعيد التطوع، ومشاركاته في الأنشطة الاجتماعية بأفكاره ودعمه المادي لها أيضا، إن الأستاذ نجيب الزامل يمثل مدرسة في صناعة المعرفة وأسلوب تقديمها للأجيال، كما يمثل الوجه الوطني الإنساني المشرق الذي نفتخر به، ويستحق أن نرفعه رمزا للثقافة في سيرته ومسيرته أمام الأجيال القادمة.
» الإخلاص والوفاء
فيما يقول الكاتب محمد حمد الصويغ: ربما تكون شهادتي مجروحة في هذا الرجل الطيب، فقد زاملته طويلا عندما كنت متعاونا ومتفرغا في هذه الجريدة الغراء، ومن خصاله العديدة التي تذكر له -رحمه الله- إخلاصه لأصدقائه ووفاؤه المعروف لهم، وهو واسع الاطلاع في معارف متنوعة، ويظهر ذلك من خلال أحاديثه معي ومع الآخرين، وكان دمث الخلق، ومعروفا بصراحته المتناهية حتى وإن أغضب الآخرين، فهو يقول كلمته الصادقة ولا يعنيه بعد ذلك إن رضي بها من يحاوره أم لم يرض بها. جمعتني به، إلى جانب ما تجمعنا أوقات العمل، مناسبات عديدة، ومن خصاله ابتسامته الدائمة التي لا تكاد تفارقه أبدا حتى وهو في أصعب المواقف، وعندما كنت أحاوره في موضوع بعينه ينشب الخلاف بيننا حوله، ولكنه يقنعني في نهاية الأمر بالحجج الدامغة أنه على صواب، فأعترف له بذلك، ولا أكاد أعارضه فيما يذهب إليه.
» مقالات رصينة
وأضاف: كان أشبه بالموسوعة، إن صح التشبيه، وكنت أتعجب من إحاطته الدقيقة بما يطرحه مشافهة أو من خلال مقالاته الرصينة والهادفة، ولا أذكر أنني ناقشته فيما يكتب، فهو دائما يطرح من الحجج والبراهين ما لا يسمح لمن يخاطبه أو يناقشه فيما يكتب أن يدلي بمعارضة معينة أيا كان شكلها أو هدفها.
يمزح بطريقة لطيفة للغاية، ولديه مخزون هائل من الطرائف التي يطرحها أثناء أحاديثه، حتى وإن غلب عليها طابع الجدية والصرامة، فيسدل على جو الحوار المزيد من دماثة خلقه وأفكاره اللماحة والسديدة، نجيب الزامل شخصية لن تتكرر أبدا، وعندما كان يصارع المرض فلم يكن يشعر الآخرين بآلامه المبرحة، وإنما يبتسم في وجوههم كالعادة، حتى كنت أتخيل أثناء صراعه مع المرض أنه ليس مريضا، فهو يتحدث بنفس أسلوبه المرح في صحته ومرضه. رحمك الله أيها الرجل رحمة واسعة، فقد تركت بيننا فراغا لا يمكن أن يُملأ إطلاقا، ولن أنساك ما حييت، فقد تعلمت منك أشياء عديدة، وتتلمذت على يديك دون أن تدرك ذلك.
» الأخ الروحي
وتقول الشاعرة والكاتبة د. ثريا العريض: كان رجلا جميلا، رحمه الله وتقبله في واسع جواره الطاهر، وأعزي الوطن فيه، قبل أن أتعرف على من أسميه صادقة أخي الروحي الأستاذ نجيب عبدالرحمن الزامل، تعرفت على شقيقته نعيمة وهي تواصل دراستها في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لاحقا أنجبت ولدي هاشم وأنجبت ولدها تمام، وتزاملا في الدراسة حتى توفي تمام فجأة بحادث مروري، اختلطت دموعنا وهي تبكي مرتجفة في حضني، وكان هذا الحدث الفاجع نقطة تحول في حياة أم تمام، حيث حولت كل حبها لابنها لتأسيس جمعية ود الخيرية للعمل التطوعي وتنمية المجتمع، مركزة على تعليم وتدريب وتأهيل أبناء الأسر ذات الدخل المحدود جدا في حي الثقبة؛ لكي يستطيعوا رفع مستوى أسرهم ورؤوسهم عن مستوى الفقر القاتل، وما زالت تبذل مالها ووقتها في هذا المسعى النبيل.
تعرفت بعدها على أشقائها نجيب ومحمد في مؤتمر بالبحرين، شعرت فورا بوشيجة العلاقة الأسرية الحميمة وبصدق تجسيدها لأجمل ما في مجتمعنا الخليجي من المثل السامية، من المسؤولية الاجتماعية والتكافل والكرم واحترام الآخر، وتكررت لقاءاتنا في مؤتمرات شتى تتعلق ببناء الجيل القادم، واكتشفت أن لنجيب جوانب مضيئة أخرى تتجاوز ابتسامته الدائمة وإيجابية حبه لكل من حوله، فهو أيضا مهتم بفعل الخير في الجوار القريب والبعيد، أسس جمعية أواصر ليبحث ويتقصى أحوال أبناء السعوديين في الخارج، ويحاول تجسير فجوة الانفصال بينهم وأسرهم بالمملكة، وكان مؤسسا وعضوا فاعلا وداعما ومشجعا لكثير من المجموعات المهتمة بالأعمال التطوعية بشتى مجالاتها، عرفت أنه منذ صغره يعاني أوضاعا صحية مؤلمة، وظل يواصل علاج نفسه وخدمة الوطن والمجتمع ببناء جيل صحي المشاعر وقوي الانتماء وصادق الإيمان والالتزام بإرضاء الله، ليس بتوجهات الغلو والإقصائية بل بإشعال شمعة مؤنسة لكل من يحتاجها في موقف إنساني لا يعترف بالفئوية والتكتلات والفوقية.
أعترف بأنني بكيت أخي نجيب الزامل بمحبة أخت لم تلدها أمه، ولم أستغرب اتفاق كل من سمع بوفاته عن حبهم له، فقدناه جميعا وسنفتقد روحه النقية وعطاءه السخي ماديا ومعنويا، ولذلك حين تواصل معي بعض الأصدقاء الموثوق بهم يطلبون وسيلة للاتصال بأفراد عائلته الحميمة لغرض إنشاء جائزة للتطوع تحمل اسمه، استجبت فورا، ومن مثل النجيب النبيل أخي الروحي نجيب عبدالرحمن الزامل -العامل لإسعاد كل من يستطيع دون صخب أو شكوى من آلامه الخاصة- يستحق هذا التكريم؟.
لم يكن أقلَّ من أيقونة إنسانية تُشيع الأمل والفرح. ويوم رحيله كان مشهوداً في وجدان السعوديين على نحو حمله المتفقون والمختلفون معه. نجيب الزامل، الكاتب، المثقف، رجل الأعمال، عضو الشورى السابق.. وقبل ذلك كله نجيب الإنسان الذي فُجع برحيله السعوديون صباح السبت، وكُتبت له خاتمة طيبة صباح أمس الإثنين، بتشييعه إلى مثواه الأخير في مكة المكرمة، حيث صُلّي عليه في البيت الحرام، وحملت أقدس مدينة على وجه الأرض جثمانه.
رحيل لاحقته دعوات الرحمة، وحفّت ملامح حزن، عبّر عنها مثقفون وإعلاميون وشخصيات ذات تأثير في الوسط الثقافي السعودي.