إلا أن خيار الحرب المفتوحة يظل واردا في ظل هيمنة التيار المتشدّد في إيران لا سيّما المؤسّسات العسكريّة، ممثلة في الحرس الثوري المصابين بجنون العظمة والرافضين الجلوس على طاولة المفاوضات مع واشنطن وتقديم تنازلات لنزع فتيل الأزمة وميلها إلى تصعيد المواجهة تحت رايات طائفية، قد تدفع باتجاه خطوات إيرانيّة تسهم في تصعيد التوتر وتجبر واشنطن لاتخاذ قرار الحسم باللجوء إلى الوسائل العسكرية.
بالمقابل لا تبدو واشنطن راغبة في الدخول في حرب مفتوحة مع إيران؛ خوفا من انعكاس هذه الخطوة على مستقبل الرئيس الذي يسعى للانتخاب لولاية ثانية، فأي خطوة غير محسوبة ربما تنعكس سلبا على مساعي الرئيس في هذا الاتجاه. وبالتالي سوف يستمر ترامب بالضغط اقتصاديا مع ربما ضربات موجعة هنا وهناك مستهدفا أذرع إيران بالمنطقة.
أما السيناريو الثاني فهو أن هذا الضغط الأمريكي والأوروبي والمتزامن مع الضغط الشعبي الداخلي المتأزم من العقوبات الاقتصادية، سوف يجبر إيران في نهاية المطاف على انتهاج سياسة التهدئة وعدم التصعيد والعودة للتفاهم على طاولة المفاوضات. وإن المغامرة والمقامرة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، مغامرة خطرة قد لا يتحملها الاقتصاد الإيراني، ولن يتحملها الشعب الإيراني. مع مؤشرات إلى عودة العقوبات الأوروبية كذلك. ورأينا مظاهر هذا السخط خلال الأشهر الماضية. أما السيناريو الأخير وأعتقد أنه السيناريو المرشح للتحقق عمليا في ضوء معطيات البيئة الإقليميّة الراهنة، وهو الاستمرار في المراوحة بين التصعيد والنزاع تارة والتهدئة تارة أخرى والتي اتسمت بها العلاقات بين البلدين على مدى العقود الماضية.
وأخيرا ما زلت أعتقد أن كلا الطرفين ليس لديهما الاستعداد في فتح حرب مفتوحة، فكلا الطرفين لديهما حساباتهما ووعيهما بالنتائج المترتبة عن هذه الخطوة. وإيران تعي جيدا الدرس العراقي وتعلم أن هذه الخطوة مكلفة جدا. إلا أن هذا التصعيد في ظل حالة الغليان التي تجتاح المنطقة تنبئ بأن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، وعلينا أن نكون مستعدّين لهذا المستقبل، وأن نتهيأ له بكل ما نمتلك من إمكانيات.