مشكلة لبنان ليست مشكلة آنية، وبلادنا اليوم ما زالت في المكان الذي كانت فيه قبل سنوات، أي أن لبنان جزء من المنظومة الإيرانية وهو يدور في فلك طهران، أنا أشبه لبنان بالنسبة إلى إيران اليوم، بدول أوروبا الشرقية بالنسبة للاتحاد السوفيتي آنذاك، وبالتالي فالبلاد سياسيا محكومة بالمشروع الإيراني، ونتيجة للسلطة القائمة فهو أمنيا وعسكريا محكوم بهذا المشروع.
ولذلك من الطبيعي أن نكون اقتصاديا اليوم جزءا من التداعيات الاقتصادية التي يعيشها المشروع الإيراني؛ نتيجة العقوبات من جهة، والأهم من العقوبات هو نتيجة استغلال هذا المشروع لموارد الشعوب في سبيل تمويل مشاريع حرب وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
فأي مقاربة للوضع اللبناني اليوم ولو كانت من خلال بعض التفاصيل المتعلقة سواء بالشأن الحكومي أو الاقتصادي والمالي أو بالأزمات الاجتماعية، من دون أن ننظر إلى الموقع الجيوسياسي للبنان في هذه المرحلة، أو نقرأ كل المشكلات التي نعيشها من منظار هذا الواقع الذي من خلاله تسعى إيران إلى فرض سيطرتها وهيمنتها على أكثر من دولة عربية.
هل تعتقد أن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني أعاد ترسيخ لبنان ضمن المسار الإيراني.. خصوصا وأن الثورة نجحت في فك ارتباط اللبنانيين بعلاقاتهم المذهبية والحزبية؟
أعتقد أن على الثورة في لبنان وعلى الشعب إعادة النظر في بعض تفاصيل العناوين التي طرحت خلال الأشهر الثلاثة من الثورة، بحيث حينما نقارب الموضوع من المنطق الجيوسياسي الذي سبق وتحدثت عنه، وتمت مقاربته من منطلق اقتصادي واجتماعي وتركيبة السلطة في لبنان، من دون ربطه بالأسباب الحقيقية لهذه المشكلات، فالثورة هي ثورة مطلبية أكثر مما هي ثورة سيادية، على الأقل في العناوين المباشرة، فأهداف الثورة لن تتحقق في ظل غياب السيادة وبقاء لبنان جزءا من المنظومة الإيرانية بالمنطقة.
ولهذا ساهم مقتل «سليماني» بزعزعة المشروع الإيراني في المنطقة، ونحن بالطبع ليس لنا علاقة مباشرة بهذا الموضوع، فنحن لسنا جزءا من منظومة عسكرية تقاتل إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا الاغتيال الذي حدث لا يمكن أن ننأى بنفسنا عن تداعياته الكبرى، وبالتالي نحن نتأثر في لبنان بهذه التداعيات سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
لقد تلقت إيران درسا اليوم بغض النظر عن «البروباغندا» الإعلامية الدائرة، فاغتيال سليماني هو محاولة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء مشروع التوسع الإيراني في الدول العربية.
هل ما يجرى يعني أن الثورتين في العراق ولبنان مرتبطتان في الهدف؟
الثورتان في لبنان والعراق هما مشروعان لتحرر الشعبين اللبناني والعراقي من الهيمنة الإيرانية.
أعتقد أنه وجب علينا النظر إلى الواقع الذي نعيشه من هذه الزاوية، والاستفادة من وجود مجتمعين دولي وعربي لا يسمحان أو يقبلان بالتواطؤ مع إيران في مصادرة حقوق وحريات الشعب وسيادته، والاستفادة من هذا الواقع لكي نعزز مطالبنا حتى تفهم إيران أننا شعب لا يمكنه القبول بأن يكون جزءا من منظومتها، فنحن لا نشبه إيران في ثقافتها أو مشروعها السياسي، لا بل نحن شعب مسالم، ولن نقبل بأن نكون جزءا من منظومة توسعية في المنطقة، نحن شعب يحترم الشرعية العربية والدولية، ويريد أن يكون جزءا من هذه الشرعية والعالم الحر، فلا يمكن إيجاد معالجة اقتصادية لنا في ظل غياب الموقفين السياسي والسيادي للبنانيين الذين يجب أن يرفضوا بصوت عال المشروع الإيراني، وأن يكونوا أداة إيرانية في مواجهة العالم العربي والحر.
لا مجال لحل أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية من دون التأكيد على أن يعود موقع لبنان الجيوسياسي إلى ما كان عليه من قبل.
يكثر الحديث عن أن الأحزاب التي سمت حسان دياب تخلت عنه.. فهل انتهت مسرحية تأليف الحكومة؟
المطلوب اليوم هو الخروج من الفوضى، كما أن حكومة الحريري كانت جزءا من هذه الفوضى، والانتخابات النيابية الأخيرة كذلك.
انتخاب ميشال عون بالطريقة التي جرت يعتبر جزءا من هذه الفوضى، وبالتالي المطروح علينا اليوم كلبنانيين هو استعادة الانتظام العام، وهذه الاستعادة تكون بالعودة إلى منطق الدستور والقانون واحترام الشرعية العربية والدولية.
مشكلتنا في لبنان ليست مشكلة حكومة، بل من يشكل الحكومات وكيف تشكل هذه الحكومات، هل تشكل بموازين القوى العسكرية أو بالمنطقين الدستوري والديموقراطي.
بكل أسف فإن تركيب السلطة في لبنان كان نتيجة موازين قوى عسكرية فرضت هذه التركيبة السياسية.
اليوم يذهب الرئيس سعد الحريري ويأتي حسان دياب، فلم يتغير شيء.
المشكلة ليست في الأسماء، بل في من ينتج السلطة في لبنان ومن يديرها، ومن المعروف من يقوم بذلك هو «حزب الله» وسلاحه كامتداد للمنظومة الإيرانية. أيضا المشكلة في لبنان ليست باستبدال أسماء، وليست باستقالة حكومة أو الإتيان بحكومة أخرى، المعضلة هي بمن يأتي بالحكومة.
علينا كف يد «حزب الله» وسلاحه وإلغاء ارتباطنا بالمشروع الإيراني، وعندها أي حكومة سواء كانت برئاسة دياب أو الحريري، عندها تكون الحكومة مقبولة وقادرة على معالجة المواضيع الاقتصادية والسياسية في لبنان؛ لأن إتيان «حزب الله» برئيس حكومة من طرفه يعني المزيد من التخبط في لبنان.
هل ابتلع «حزب الله» الدولة اللبنانية؟
نحن اليوم في دولة كاملة يحتلها «حزب الله»، فقد وضع يده على الدولة اللبنانية، وأصبحنا نحن مقاومين لهذا الاحتلال.
ليس لدينا أي استعداد للسير بمنطق الدويلة، نحن دولة لبنانية جغرافيا، دستوريا ومؤسساتيا محتلة من قبل «حزب الله»، وبالتالي ما يفعله الشعب اللبناني هو مقاومة سلمية لهذا الواقع، ولذلك يجب بلورة هذه المقاومة وجعلها واضحة أكثر، وأن نطلق عليها عناوين أكثر وضوحا في استهداف سياسي وإعلامي ومعنوي وأخلاقي لكل ما تفعله هذه الدويلة، حتى نقول للعالم العربي والمجتمع الحر إن الشعب اللبناني يرفض الخضوع لاحتلال المشروع الإيراني بأي شكل من الأشكال.
كيف يمكن ترجمة ما تقوله على أرض الواقع؟
ليس المطلوب في هذه المرحلة أن نشن حربا على «حزب الله» واقتحام الضاحية الجنوبية ومصادرة سلاح الحزب، بل جل ما نطلبه في هذه المرحلة هو القول إن الدولة اللبنانية شيء و«حزب الله» شيء آخر.
وبالتالي نحن لا نؤمن أي غطاء لمشروع الحزب السياسي والعسكري في المنطقة ولبنان، ولن نقبل بأن نكون جزءا من المشروع الإيراني، أما إذا كان الشعب اللبناني بحجة الخوف أو الجهل أو التواطؤ وعدم المقاربة الحقيقية للأمر، لا يريد أن يثير هذا الموضوع، فلا ننتظر من العالمين العربي والغربي أن يطالب بما نحن لا نطالب به.
إذا كانت ثورة الشعب اللبناني ترفض القول إن المشكلة هي في «حزب الله»، فلا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أو للمجتمع الأوروبي أو الدول العربية، بأن تطالب بما لا يطالب به الشعب اللبناني.
ففي غياب السيادة اللبنانية لا يمكننا أن نحقق شيئا من مطالب الثورة.
باختصار، دولة تحت سلطة احتلال لا يمكن إلا أن تكون فقيرة ومنهوبة ويحكمها عملاء للاحتلال.
ما مدى تأثير العقوبات الأمريكية ومقتل سليماني على سلوك إيران وأذرعها في المنطقة؟
بكل تأكيد، أحدثت إرباكا، وأدت إلى اشتداد الخناق أكثر وأكثر عليهم، فإيران وأذرعها لا يمتلكون في ظل العقوبات قدرات التحرك ذاتها التي كانوا يمتلكونها قبل ذلك.
المؤسف، هو ربط لبنان بهذه العقوبات عبر ما يردده المسؤولون في السلطة اللبنانية، أن هذا السلاح شرعي وضروري ومقاومة وليس سلاح احتلال.
ليس المطلوب مواجهة عسكرية أو حرب أهلية، بل المطلوب هو القول إن الدولة اللبنانية تتعاطى مع أمر واقع اسمه «حزب الله» وهي قوى احتلال والدولة لا تقبل بتغطية هذا الواقع.