@LamaAlghalayini
يبدو وكأن أمرا قد صدر بإعدام الصمت في كل بيت ومكان وإنسان، والتعامل معه باعتباره عدوا، وبالمقابل تتكاثر شركات إعدام الصمت بوفرة، وهي فعالة في إنتاج الضجيج، والاعتداء على هدوء الصمت، وانتهاك السكون الشخصي، فهو يفرض نفسه بمظاهره المتعددة التي لا يمكن التحكم فيها، مانعا الفرد من التمتع بهدوء فضائه، فهناك ازدياد مستمر في مسايرة التوسع التقني لولوج الضجيج المتزايد في الحياة اليومية، مع العجز عن التحكم فيه، فهناك أصوات دائمة تملأ فضاءات المنازل كالتلفاز والهواتف وأجهزة الموسيقى، فيما تعرف الشوارع والطرق زحمة متزايدة وصخبا لا ينتهي من أبواق السيارات والشاحنات وصرخات المارة، وأصبح الهناء السمعي عنصرا مفقودا في زمننا، وحتى نكمل ازدحام المشهد، فقد تمت إضافة مصادر جديدة نابعة من صخب الموسيقى المنبعثة من المطاعم والمقاهي والمتاجر، وكأنه بات إلزاميا إغراق صمت الأماكن بالضجيج، كسلاح فعال ضد فوبيا الصمت التي يعانيها العديد، فهناك من يهلع من فكرة ألا يكون للمرء ما يقال، ولا يشعر بالارتياح في مكان يغرق في السكون، بل يسارع في أي مكان يتواجد فيه إلى إضافة أصوات مطمئنة، إما بالكلام بصوت مرتفع أو ترك التلفاز مفتوحا، أو وضع سماعات الموسيقى على أذنيه، فالعالم الذي يغمره السكون يصبح مخيفا لمن ينشئون في الضجيج كمعلم لوجودهم، فهذا العالم الصوتي من الضجيج يحول دون اقتحام عمق الحديث، ويغلف أحلام اليقظة، ويقلل من لحظات المراجعة الذاتية المقلقة لهؤلاء.
وربما كانت للضجيج ترجمات أخرى إيجابية لآخرين، فالبيت الذي يسري فيه الدبيب يكون مطمئنا لأنه يعلن عن المحادثات ولعب الصبيان، والمذياع المفتوح في الزاوية، والصنبور السائل ماء لغسل الأواني، والمناقشات التي تصدح في الغرف، هو ترجمة مباشرة لمعنى المسكن السعيد، والبيت الذي يسوده السكون يصبح مقلقا فجأة إذا ما كنا توقعنا ذلك، وإذا كان يحفل دوما بالمظاهر الصوتية للحياة المشتركة، وكأنه يخفي حدثا مربكا، ويجعل الصمت رسولا لسيناريوهات غامقة، ويلعب الضجيج دوره هنا كعلامة ملموسة على استمرار الآخرين حولنا، ويطمئن بالتذكير بأن العالم محيط بذواتنا، عكس الصمت الذي يعدم كل مداراة ويضع الإنسان أمام نفسه، في مواجهة آلامه وهواجسه، وفي النهاية يبدو أن للضجيج والصمت أقوالا أخرى، لإبراز مكانتهما والدفاع عن هويتهما، ولابد من جولات أخرى للحديث عنهما.
@LamaAlghalayini
@LamaAlghalayini