بل يكون سكوتك من ذهب إذا كان سكوتك يعالج المشكلة، وإلا فإن الكلام يكون من ذهب لأن علاج المشكلة بالكلام لا بالسكوت، وأحيانا يكون الصمت علاجا عندما تكون غاضبا، فالأفضل أنك لا تتكلم لأنك تعرف نفسك لو تكلمت فإنك ستعتدي على الآخرين، ففي هذه الحالة يكون سكوتك من ذهب حتى يهدأ غضبك، فليس الكلام دائما هو الحل للمشكلة كما أن السكوت كذلك ليس هو دائما حلا للمشكلة، وهنا نحتاج من يتخذ قرارا بالكلام أو السكوت أن يوازن بين الإيجابيات والسلبيات في الموقف الذي يعيشه.
وفي كل الأحوال لو اتخذت قرارا بالسكوت فلا تجعل السكوت طويلا، فإن طول الفترة يزيد المشكلة تعقيدا ويزيد الجفوة والكراهية بين الطرفين، أعرف رجلا خاصم زوجته فسكت عنها سنة كاملة وكلما حاولت أن تتكلم معه صدها وأدار ظهره فلما قرر أن يرجع إليها ويحاورها بعد سنة تركته وطلبت الانفصال وحصل الطلاق بينهما، فطول السكوت مدمر للعلاقات، وأعرف أبا هجر ابنه سنوات فلما كبر وأراد أن يكلم ابنه هجره ابنه ولم يكلمه، ففي مثل هذه الحالة صار السكوت مدمرا للعلاقة وليس علاجا لها.
وهناك خمس خطوات يمكنك اتخاذها مع الشخص الذي يريد أن يعاقبك بسكوته، فالخطوة الأولى أن تفكر بالشخص الذي اتخذ قرارا تجاهك بالصمت والسكوت لأنه في الغالب يكون غاضبا ومحبطا، والخطوة الثانية أتركه فترة ولا تلح عليه بأن يكلمك؛ لأنه ربما يحتاج وقتا ليفكر ويستريح قليلا، والخطوة الثالثة حاول أن تتفهم وجهة نظره عندما يعود إليك وينتقدك ويشتكي من تصرفك، واعتذر له لو كنت مخطئا أما إذا لم تكن مخطئا فلا تعتذر ووضح رأيك بقوة، والخطوة الرابعة لو كان الشخص الذي يريد أن يعاقبك بصمته من النوع الانطوائي والصامت في الأساس فإن قراره الذي اتخذه تجاهك يكون بالنسبة له صحيحا؛ لأنه يتماشى مع طبعه، فحاول أن تفهم شخصيته وتراعي ظرفه ولا تقس شخصيتك عليه؛ لأنك لو كنت أنت مكانه لما فعلت مثله لأنك أنت اجتماعي وتحب أن تواجه المشكلات بينما هو شخصية انطوائية، والانطوائي في الغالب يحب أن ينسحب عندما تواجهه مشكلة، أما الشخص الاجتماعي فيحب أن يواجه المشكلة ويعالجها، والخطوة الخامسة أن تضع قوانين وقواعد للعلاقة في المستقبل فلو غضب منك مستقبلا فلا يكرر نفس سلوكه الصامت معك، ولا بد أن نفرق بين الصمت القاتل والصمت الذي فيه حكمة ويكون من ذهب، ولهذا قال ابن بريدة (رأيت ابن عباس رضي الله عنه آخذا بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم أو أسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم)، وهنا يبين ابن عباس رضي الله عنه قاعدة عامة في التعامل مع اللسان، وهي أن الصمت حكمة والسكوت من ذهب، أما في حالة لو حصل خلاف بين الطرفين فيكون الكلام هو الحكمة وهو من ذهب.
@drjasem