في كل يوم نسمع ونقرأ عن أحكام صدرت بجلد وسجن وتغريم بعض الشباب المستهترين بالقيم والأخلاق والعادات الحميدة المرعية فهناك شباب يتشاجرون مع بعضهم الى درجة رفع السلاح على بعضهم لاسباب تافهة.
وشباب يجوبون الأسواق العامة والشوارع إما سيرا على الأقدام او على مركباتهم المزودة بمكبرات الصوت يعاكسون النساء جهرة دون حياء أو خجل أو دون أن يحسب أحدهم أن هذه المرأة التي يضايقها أو يعاكسها قد تكون أمه أو أخته أو زوجة أخيه ,, وقبل هذا اشتهرت مجموعات من الشباب بتفحيط السيارات وقيادتها بشكل جنوني حتى ذهبت ضحية لهذه الهستيريا الشبابية عشرات الأوراح.
وظاهرتان قديمتان لكنهما لازالتا تلازمان فئات من الشباب وهما الكتابة على الجدران مع ما يصاحب ذلك من تخريب بعض المرافق التي وضعت لخدمة المواطنين , وإتلاف الكتب المدرسية خاصة في المرحلة الثانوية .. حيث أن طالب الصفوف الابتدائية يمكن ان يستفاد من كتبه بعد ان يفرغ منها .. أما طالب الثانوية فلا يمكن أن تجد لديه كتابا تسمح نفسك بقراءته إلا في القليل النادر , والنادر لا حكم له.
ان مثل هذه التصرفات وما يترتب عليها من نتائج وما يلحق فاعليها من عقوبات تدمي القلب وتشغل الفكر وتحز في النفس وتثير العديد من علامات الاستفهام.
ماذا يريد الشباب .. وماذا ينقصهم؟
وما هي مشاكلهم الحقيقة؟
هل لهم أهداف وطموحات لم يستطيعوا تحقيقها؟
وهل طرحوا كل تلك الطموحات والأهداف أمام أي شخص .. وهل وجدوا من يستمع لهم.
هل لديهم احساس بأنهم مهمشون ولا يشاركون في معالجة القضايا العامة التي تكون نتائجها مشاعة للجميع؟
وأمام هذه التساولات لا أملك إلا أن أذكر القراء الكرام بأن هؤلاء الشباب الذين يرتكبون هذه الحماقات ويتعرضون للجلد والسجن واحيانا الغرامة . في احيان أخرى الطرد من المدارس إضافة الى ما تسببه لهم حوادث القيادة الجنونية للسيارات من عاهات ووفيات هؤلاء الشباب هم أبناؤنا وأحفادنا , اخواننا وأن ما يمسهم من بعيد او قريب يمسنا ويؤذي مشاعرنا فنعود للتساؤل : ماذا قدمنا لهؤلاء الشباب.
أن هؤلاء الشباب ثلاث فئات:
فئة لا رغبة لها في الدراسة ومواصلة التعليم إلا أن رغبة الأهل والمحيط يحتمان عليهم الانضواء تحت مظلة المدرسة ولذلك فهم يضيعون الوقت المقرر عليهم قضاؤه في المدرسة في اللهو والمشاكسة وإيذاء الآخرين.
وفئة تخرجت من الثانوية ولها رغبة في مواصلة الدراسة إلا أن ابواب الجامعات أغلقت أمامها أما لضعف مستواها الدراسي , اما لعدم وجود اماكن لهم في الجامعات.
وفئة ثالثة دفعتها الحاجة والفقر للبحث عن عمل فلم توفق في عمل يسد الحاجة ويشغل الوقت فيما يفيد.
إننا في حاجة الى دراسة مشاكل كل فئة دراسة متأنية.. دراسة هدفها الإصلاح ومحاولة بناء الانسان المهزوم من الداخل بفعل تلك الظروف على أسس علمية تراعى فيها الروابط الأسرية والضوابط الاجتماعية تبعا للضوابط الدينية.. وأنا اعتقد تمام الاعتقاد أن السجن والجلد والغرامة .. وغيرها من العقوبات ليست العلاج الوحيد لمثل تلك القضايا الشائكة, صحيح أن علينا أن نعاقب المسيء بما يستحق لكن في نفس الوقت علينا أن ندرس ظروفه ونحاول حل مشاكله وتوجيهه الوجهة الصحيحة لسلوك محمود غير مذموم.
وقد اهتم الإسلام برعاية الأبناء والبنات قبل إقتران الوالدين فحث على اختيار الزوجة الصالحة وبعد الولادة حث على اختيار الاسم المقبول وفي طور النشأة جعل مسئولية الأب أن يعلم ابنه السباحة وركوب الخيل وقراءة القرآن.
وهذه هي أهم ما يحتاجه الشاب إن أراد السباق أو الدفاع عن عقيدته او نشر الدعوة فلديه سلاحان مهمان ركوب الخيل والقرآن الكريم , ولا شك أن من يبلغ هذا المستوى قادر على رعاية نفسه باختيار المصالح والابتعاد عن المفاسد.
ونحن ماذا قدمنا للشباب؟ قدمنا لهم ثقافة ضحلة مهزوزة تميل حيث تهب رياح الموضة وتغترف مقوماتها من كل وافد دخيل حيث ضعف التثقيف الديني في مراحل التعليم واصبحت المواد الدينية مجرد وسائل للحصول على درجات النجاح في الامتحان.
قدمنا لهم الرياضة؟
لقد تحولت الرياضة في بلادنا الى تعصب ممقوت لناد دون آخر فانتشرت العداوات وورثت الحزازات وتحول التشجيع الى هوس مجنون مدمر.
قدمنا لهم التعليم؟
ان الغالبية العظمى من الشباب يدرسون لا رغبة في زيادة التحصيل العلمي الذي يحصنهم ضد الآفات الاجتماعية ويفقههم في الدين ويبصرهم بأمور الحياة , وإنما يدرسون للحصول على شهادة إما للحصول على وظيفة وإما للمفاخرة وفي الحالة الأولى لم تعد شهادة الثانوية وسيلة نافعة للتوظيف , أما بالنسبة للحالة الثانية فقد سقطت بعد أن زاحمتهما المادة التي أصبحت هي المقياس المهم للوجاهة والمكانة الاجتماعية العليا.
إذن ما الحل؟
حيث إننا لم نقدم ما يحتوي الشباب فكرا وعقلا وإحساسا بالمسئولية أكثر مما سبقت الاشارة اليه ... وحيث ان الاباء والأمهات لم يعد في إمكانهم اعطاء أبنائهم وبناتهم القليل من الوقت للوقوف على معاناة كل منهم فإنني أرى أن تتعاون الرئاسة العامة لرعاية الشباب وإدارة بيوت الشباب بوزارة المعارف ووكالة وزارة العمل والشئون الاجتماعية على تكوين هيئة مستقلة مزودة باخصائيين وباحثين ومؤهلين علميا ونفسيا واجتماعيا وفتح وحداات في كل الاصلاحيات وبيوت الشباب والأندية الرياضية أشبه ما تكون بالوحدات الصحية , لتقوم بدراسة أوضاع الشباب والوقوف على مشاكلهم وتقديم العون لهم إذ ربما يبوح الشباب لهذه الجهات ما لا يستطيع البوح به لوالديه ومن ثم تقديم الدراسات التي تساعد على معرفة معاناة الشباب والضغوط التي ترهق نفسياتهم وتجعلهم ينحرفون عن الطريق السوي اتجاها الى التخريب كإعلان عن رغبات مكبوتة لأن العقاب وحده لا يكفي لإصلاح هذه الشريحة الهامة التي تكون أساس المجتمع منهم عدة المستقبل وأمل الأمة , وبذلك يكون صلاحهم صلاح للأمة.