تميل أدمغتنا للتركيز على المعلومات السلبية أكثر من الإيجابية، حيث يتأكد الجزء المسؤول في الدماغ من تخزين الحدث السلبي ليكون مرجعًا مستقبليًا لضمان عدم تكرار الخطأ، فالدماغ أشبه بلاصق الفيلكرو للتجارب السلبية، وآنية «التيفال» التي لا يلتصق بها شيء للإيجابية، فقد لاحظ دكتور سليغمان مؤسس علم النفس الإيجابي أن للأحداث السلبية تأثيرًا أقوى من الإيجابية، ومن السهل الشعور بمشاعر العجز المكتسب جراء بعض الإخفاقات، ومن الصعب إلغاء هذه المشاعر حتى مع الكثير من النجاحات، وأن الناس تعمل على تفادي الخسارة أكثر مما يعملون للحصول على مكسب مشابه، وأن قيمة المعلومات السيئة عن شخص ما تبدو أكثر أهمية من المعلومات الجيدة، وأننا نحتاج لخمسة تأثيرات إيجابية للتغلب على تأثير سلبي واحد في العلاقات، حيث تترك للتجربة السلبية أثرًا دائمًا جاهزًا للتنشيط في حال مصادفة أي حدث مشابه، ويبدو هذا منطقيا لخبراء علم النفس التطوري، الذين راقبوا تطور الدماغ البشري عبر آلاف السنين، واكتشفوا أن السلالات البشرية الأقدم كانت مضطرة للتركيز على تفادي العصى للبقاء وكفاح الوجود، ومتنبهة لأقل حركة حولها استعدادا للهجوم أو الهرب، فإذا فاتتهم جزرة المكاسب، كفرصة طعام أو تزاوج فسيحظون بفرص أخرى في وقت لاحق، لكنهم إن أخفقوا في تفادي الهجوم من مفترس ما، فمن الأغلب أنهم سيقتلون دون أية فرصة للفوز بأي جزرة مستقبلية، وهذا ما زاد من ترسخ جينات الحذر والانتباه للتجارب السلبية في الدماغ وجعله أكثر تحيزًا للجانب السلبي كحيلة للبقاء والحماية، وتسبب في ميلنا بسهولة لتسليط الضوء على الخسائر وفشل الماضي والمبالغة في تصور عقبات المستقبل، كآلية مبرمجة في أعماق اللاوعي لبقاء النوع، ولهذا فالتدريب على البرمجة الإيجابية للدماغ يعتبر أولوية قصوى للتغلب على التحيز الإدراكي السلبي، ولا يكون العلاج بقمع التجارب السلبية، بل بتعزيز التفكير الإيجابي والتدرب على الامتنان والتأمل المنفتح على جمال تفاصيل اللحظة، والبحث بنشاط عن الأخبار الجيدة يوميا، خاصة تلك المسرات الناعمة كوجوه الأطفال، رائحة برتقالة، مراقبة طلوع الفجر، إنجاز بسيط في العمل، المهم أن تركز وعيك قدر الإمكان على استحضار التفاصيل الجميلة وشكر النعم، دعها تتسلل بداخلك، لا تنظر إليها فقط بل اتركها تؤثر عليك، وكأنك تحضر وليمة، لا تكتف بالمراقبة بل انغمس فيها، ركز انتباهك ودع التجربة تملأ أحاسيسك، فبقدر ما تطيل التركيز الإيجابي لفترة أطول في وعيك وتحفزه شعوريًا، بقدر ما تنشط الخلايا العصبية في ترميم الذكريات السلبية، وتشكيل مسارات إيجابية جديدة في الدماغ.
@LamaAlghalayini