لم أكن أعلم أن ما يشغل الكثيرين على مستوى شخصي، من حيث موقعهم في العائلة هو أيضًا اهتمام لدى العلماء.
فهناك مئات الدراسات التي تدرس تأثير ترتيبك العائلي على مستقبلك. وإن كانت هذه الدراسات لا يمكن لها أن تحدّد بدقة مَن سوف نكون، إلا أنها تشير إلى زيادة احتمالية أن تتجه حياتنا باتجاه معيّن.
في هذه الدراسات يصنفون المولود الأول مقابل المولودين لاحقًا، ويشيرون إلى أن المولود الأول يدخل عالم
الكبار منذ الولادة، فيتعلم منهم ويقتدي بهم، بينما المولودون لاحقًا يدخلون عالمًا به أطفال، ويتعلمون منهم. لهذا السبب فإن المولود الأول في الغالب يميل للامتثال للقوانين، وينتهج نهجًا تقليديًا. أما المولودون لاحقًا فهم يبحثون لأنفسهم عن مكانة متميّزة، ويحاولون أن يختلفوا عما يكون عليه مَن يكبرهم، ولذلك تجدهم عندما يكبرون يكونون أكثر تقبّلًا للأفكار الجديدة، ولديهم قابلية أعلى للمجازفة.
إحدى الدراسات التاريخية للعالم النفسي فرانك سالوواي (Frank Sulloway) كانت تبحث في قضية الترتيب الأسري للعلماء، وتأثير ذلك على تقبّل التحوّلات الثورية في مجال العلوم، حيث استعرض ٢٤ اكتشافًا علميًا غيّرت العالم، مثل نظريات كوبيرنيكوس وآينشتاين وداروين وغيرهم، وطُلب من ١٠٠ مؤرخ للعلوم أن يدرسوا الترتيب الأسري لأربعة آلاف عالم، ويحددوا مدى تقبّلهم للأفكار الجديدة؛ بناءً على ترتيبهم.
وكانت نتيجة هذه الدراسات باختصار أن المولودين لاحقًا يتقبّلون ضعف الأفكار الراديكالية، مقارنة بالمولودين الأوائل، وبذلك قدّر أنهم يسبقونهم بحوالي ٥٠ عامًا من حيث تقبّل الأفكار في المجتمع.
ومن حيث الوظائف كذلك، يجد الأوائل أنفسهم في وظائف تقليدية، وقد يفوق دخلهم دخل إخوتهم الذين يصغرونهم؛ كونهم يتلقون أفضل تعليم، ولكن عند بلوغ سن الثلاثين، يتفوق المولودون لاحقًا من حيث الدخل؛ نظرًا لاستعدادهم الأكبر لتغيير الوظيفة بحثًا عن تحسين الدخل.
إن الترتيب العام ليس فقط ما يحدّد التوجّه، بل إن التربية والمحيط لهما دور أساسي كذلك. على سبيل المثال،
الأطفال الذين تربّوا بمساعدة إخوتهم الذين يكبرونهم لم يتعرضوا للقوانين ولا العقوبات الصارمة، ومع ذلك أحسّوا بأنهم محميون.
ويبدو أن هذه التركيبة من التربية هي التي تسمح للأطفال بتكوين شخصياتهم الفريدة، مع المحافظة على تقبّل الأفكار.
sssolaiman@