وباستعارة رمز «عوليس» من عالم الأساطير، وهو كما تصوره المخيلة الأسطورية ذكي وقوي وماهر وشجاع أيضاً. وتلك الصفات كان اتصافه بها مؤكداً، لكن ثمة ما هو أكثر، فقد كان «عوليس» فضولياً بالفطرة، يحب أن يفهم، ويعلم، ويعرف ويكتشف البلاد والثقافات وكائنات تختلف عنه. ومن السطور الأولى من الأوديسا نعرف أنه ليس «الرجل ذا الألف حيلة» فحسب، كما يقول هوميروس، وأنه ليس «نهّاب طروادة». هو يمتلك أعلى درجات ما أسماه كانط «الفكر المتسع»، الفضول بشأن الآخر، رغبة قوية جداً للانفتاح، تقوده أحياناً لمواجهة الخطر دون داعٍ كما حدث في جزيرة السيكلوب، لأنه كان يريد فعلياً أن يعرف ما إذا كانت تلك الكائنات العملاقة من «أكلة الخبز»، أي كائنات متحضرة تشبه البشر، الذين يحترمون قواعد حسن الضيافة، أم هي على العكس وحوش لا إيمان لها ولا قانون. وهذا الفضول الذي يدفعه لتوسيع الأفق على نحو متواصل هو الذي يجعله إنساناً حقيقياً، إنساناً يمتلك تجربة، وبوسعه أن يمارس إغواء، قليلون جداً مَنْ ينجون منه، لأنه صلب وعنده ألف شيء ليرويه للنساء والرجال. «عوليس» ناضج، «رجل فعلياً»، كما يقال في الروايات الرومانسية، وحكيم، ويفيض بالتجربة، وكائن متفرد، لا يمكن استبداله، ولهذا هو مغوٍ بصورة لا تُصدق.
عندما سألت صحفية برازيلية الكاتب الفرنسي لوك فيري عن فائدة السفر في توسيع الأفق، وفيما إذا كان الشباب المفتولو العضلات على شاطئ كوباكابانا لا يمارسون إغواء، حتى إن لم يغادروا منطقتهم لتوسيع أفقهم بواسطة الرحلات ومعرفة الثقافات الأخرى! رد الكاتب بإجابة نسردها في مقالة أخرى.
@falehajmi