يتردد مصطلح تعليم التفكير كثيرا في كل مناسبة يتم الحديث فيها عن إستراتيجيات التعلم الحديثة، بل عندما يكون موضوع الحديث حول التربية والتعليم بشكل عام، ويكتسب هذا المصطلح وتناوله أهمية أكبر عندما يكون الحديث عن الأطفال وأهمية هذه الإستراتيجية وتوظيفها في تعلمهم وما يمكن أن يكون لها من آثار في بناء شخصياتهم ومستقبلهم وأسلوب حياتهم بما يترتب على ذلك أيضا من إعدادهم للمشاركة في صناعة مستقبل الوطن والأمة بإرادة الله سبحانه وتعالى وعونه. والتفكير الذي نقصده هنا هو تلك العملية الذهنية التي يتم من خلالها توظيف الذهن لمعالجة ما يواجهه الفرد من مواقف في الحياة سواء كانت متوقعة أو طارئة مع مراعاة الفرضية العامة التي تقول «لكل فرد استعداد للتفكير» مع الاعتراف بأن هناك فروقا بين الأفراد مردّها تأثير البيئات التي يعيشون فيها والمواقف التي يواجهونها والخبرات التي تغني الفرد بأساليب مواجهة المواقف، كما أن مستويات التفكير وأنواعه تختلف أيضا باختلاف ميول الفرد وعقائده واتجاهاته، ولا بُدّ هنا من التطرق لخصائص الطالب المفكر منطلقا لمناولة شاملة لعناصر الموضوع وإن كانت في جميع الأحوال مختصرة ومقيدة بالمساحة المتاحة للحديث من خلال هذا المقال. وهنا لا بد من التذكير أيضا بحقيقة يعرفها المختصون والباحثون في هذا المجال وهي أن من حق كل مخلوق أن يستخدم عقله بأقصى حد من الفعالية وهذه المقولة هي التي تحكم مهمة المعلم في داخل الصف ودوره المتغير والذي أصبح متمثلا في كونه مدربا على التفكير مما يقتضي قيامه بتنظيم مواقف التعلم على الوجه الذي يُساعد المتعلمين على تشغيل أذهانهم بأقصى فاعلية ممكنة وتنظيم هذه الفاعلية على النحو الذي يؤدي إلى نمو تفكير التلاميذ وتطوره عمليا وذهنيا ويكسبهم المزيد من الخبرات، ولذلك فإن أهم الخصائص التي يجب أن تتوافر في الطالب المفكر والتي على المعلم أن يكتشفها ويساعد على تنميتها من خلال تدريبهم ومن ذلك التفاعل مع المواقف الغامضة بإيجابية بمعنى تطوير اتجاهات الطلاب نحو كل جديد أو غريب لم يعتادوا عليه والنظر إليه نظرة تتفحصه وتتمعن فيه ومحاولة التساؤل عنه وتنظيم استيعابه حتى يمكنهم تصنيفه والتعرف عليه وفق أسلوب المعالجة الذي اعتادوا عليه في المواقف المشابهة الأخرى. كما أن من الخصائص المهمة أيضا أن يكون الطالب عنصرا فاعلا ومتفاعلا في الموقف الصفي وأن تتاح له الخيارات والبدائل غير التقليدية خاصة وأن الطالب المفكر يمّل من الروتين والتكرار وتجذبه الخيارات والبدائل والحلول المبتكرة؛ فإذا اعتاد عليها أصبحت نموذج تفكير يقلده في البحث عن ابتكار الحلول والبدائل والخيارات في المواقف التي يواجهها ولذلك فإن دور المعلم (معلم التفكير) يبدو هنا أكثر أهمية وأكثر وضوحا وهو دور يتمثل في تهيئة المواقف والخبرات الصفية التي تتحدى تفكير الطالب وتتطلب منه جهدا ذهنيا غير عادي لمواجهتها والتعامل الإيجابي معها، ولما كان الموقف الصفي هو الوسيط الذي يتيح للطالب المفكر ممارسة التأني والروية والهدوء تحت إشراف المعلم ومتابعته وتوجيهه فإن نجاح المعلم في هذه المهمة يكون مضمونا حين يقدم المعلم لهذا الطالب أنموذجا من السلوك الذهني المتروي والمتزن ويكون ذلك بأن يعرض المعلم نماذج من التفكير المسموع على طلبته ويناقشهم في هذه النماذج ويضرب لهم المثل أيضا في التسامح وتقبل النقد، بل ويطلب المساعدة والمشاركة في إضافة أفكار جديدة أو تفصيلات إلى ما يعرضه من أفكار وبذلك فهو يدرب طلبته على عدم العجلة والقفز إلى النتائج وعلى التروي في الوصول إلى الأحكام والاستنتاجات قبل اكتمال الأفكار حول الموضوع. ومن المهم في دور المعلم تجاه هذا الطالب أيضا التركيز على تهيئة الظروف التي تمكن الطالب من ممارسة عمل ذهني صامت والخبرات التي تستدعي استخدام الخيال وإقامة علاقات بين الأشياء الحسية وغير الحسية، وأن يتحدث أمام زملائه عما يفكر فيه ويترك في هذه المواقف ليعكس تصوراته بالكلام وينظم أفكاره بطريقته الخاصة؛ ولذلك فإنني أدعو زملائي المعلمين الذين يريد الواحد منهم أن يكون مدربا لتفكير الطالب أن يكتشف هذه الخصائص وأن ينميها ويطورها من خلال توفير بيئة مثيرة للتفكير داخل الصف تتيح لطلبته التأمل وتشجعهم على التروي والاتزان والتعامل الإيجابي مع كل ما هو غريب أو جديد وبذلك يكون لدينا المعلم مدرب التفكير والطالب المفكر.
fahad_otaish@