السعودة مضمون وليست شعارا:
باشر الدكتور عمله مديرا للتعليم بمنطقة الباحة، وقرَّب إليه السعوديين من المعلمين فمكَّنهم من تطبيق أفكارهم.. وفتح المجال أمام المبدعين. ربط حركته في الإدارة وفي زيارة المدارس وفي أيام العطلة الأسبوعية مع الأهالي ومشايخ القبائل. يزور مدرسة ما في مبنى مستأجر فلا يغادر المدرسة حتى يجتمع مع شيخ القرية ويبحث معه أمر توفير أرض للمدرسة سواءً بتبرع من أهالي القرية أو بالشراء. يحضر حفلات الأفراح، ويعود المرضى في مضاجعهم بالبيوت أو بالمصحَّات. يواسي أهل المتوفين ويمنح أبناءهم الإذن لحضور عزاء ذويهم. يشهد مع الناس صلوات الاستسقاء والخسوف والكسوف. جيرانه في السكن من أهالي حي الظفير بمدينة الباحة يذكرون حسن جيرته لهم حتى اليوم.
صيتٌ عابر للقارات:
كنتُ أدرس في أوائل السبعينيات من القرن الميلادي الماضي في أمريكا وجاءنا أحد الفضلاء من الرياض لزيارة ابنه. اجتمعنا معه ولما عرف أنني من أبناء المنطقة انبرى يمدح لنا مدير تعليم الباحة. يعدِّد جهوده الملحوظة في مجال التعليم ويذكر عنه -عن الحارثي- إشادته بأبناء منطقة الباحة سواء المقيمون منهم أو المسافرون داخل مناطق المملكة أو خارج البلاد. وقال لي ضيفنا الزائر: إنَّ الحارثي ذكرك بالاسم وتحدَّث عن أسرتك.
التنافس العلمي:
اعتمد المدير الجديد للتعليم بالباحة مبدأ التنافس الشريف ليس بين المدارس وبعضها في المنطقة فحسب، بل وعلى مستوى المملكة. ونتيجة لذلك أتتْ فترة على التعليم يحصد فيها أبناء الباحة كثيرا من المراكز الخمسة الأولى بالمملكة على مستوى الثانوية العامة - يوم كانت الاختبارات مركزية وليتها تعود - وكذلك على مستوى الجامعات والكليات والمعاهد المتخصصة.
تشييد المدارس:
بعلاقاته المميزة مع أهالي المنطقة، ومع المسؤولين بوزارة التعليم (وزارة المعارف يومها) تمكَّن الحارثي من توفير أراضٍ واسعة في مختلف القرى والنجوع لإقامة مبانٍ مدرسية حديثة عليها.. غبتُ عن قريتي خمس سنين وعدتُ بعدها فإذا مباني مدارس وادي العلي، والعباس، وبني محمد، وبني ظبيان تنازع السحاب وتتخايل مع الضباب وتغازل طلاب العلم والمهتمين بأمور الوطن والتعليم من خلال الإذاعة المدرسية كل صباح وحفلات النشاط المدرسي مع نهاية كل عام..
وإذا كانت منطقة الباحة مكَّنت السعوديين والذين انجذبوا للعمل فيها مدرسين ومديري مدارس وموجهي مواد ومشرفين، فقد ودَّعت مع منطقة القصيم ومنطقة مكة المكرمة المدرسين المتعاقدين في المرحلة الابتدائية تحديدا وأصبحنا نسميها مناطق مقفولة أي مناطق مكتفية بالمدرسين من أبنائها.
النشاط المدرسي والمناهج المدرسية:
شجَّع الحارثي فعاليات النشاط المدرسي وحثَّ على ربطها ما أمكن مع المناهج المدرسية. كما شجَّع على ربط الأنشطة مع الموروثات الشعبية فبرز الشعراء بالفصحى من بين المدرسين والطلاب، ونشطت أعمال الرسم والأشغال اليدوية. قامت المعارض المدرسية، بل إنَّ كل مدرسة تقيم معرضها السنوي وتدعو إليه أولياء الأمور. شجَّع الكشافة وتوسَّع في رعايتها.
سمو الأمير خالد بن فهد بن خالد يزور المنطقة:
التنافسية التي اعتمدتها إدارة التعليم بالباحة جذبت الكثير من المسؤولين لحضور الحفلات الختامية التي تقيمها المنطقة، وقد حظيت المنطقة بزيارة وكيل وزارة المعارف صاحب السمو الأمير خالد بن فهد بن خالد، وأقيم على شرف سموه الحفل الخطابي والرياضي الكبير على ساحة الاحتفالات الشعبية؛ وأشاد سمو الأمير بما رآه وشجَّع الحارثي وزملاءه على المزيد من التفوق والإبداع.
الحاجة إلى كليات وجامعة:
سعى الحارثي بالتعاون مع بلدية الباحة إلى تخصيص أرض كبيرة سموها أرض الجامعة.. وأثار هذا القرار مطالبة المسؤولين بافتتاح جامعة في المنطقة.. وقد تحقَّق هذا الحلم على عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله-.
الحارثي وأهل الباحة:
رغبة في التركيز على مستوى الأداء التعليمي قرَّر الدكتور فهد بن جابر الحارثي -يرحمه الله - إحضار أسرته إلى الباحة.
ولا يزال جيرانه من أهالي حي الظفير يذكرون جميل جيرته إلى اليوم. أدخل أولاده بالمدارس. وقد حباه الله نعمة الصلاح في نفسه وزوجه وأولاده.. وهم اليوم يحملون شهادات عليا ويؤدون واجبهم الوطني. فيهم الأستاذ الجامعي وعضو مجلس الشورى، والإعلامي البارز، وأكبرهم أحمد رجل أعمال مرموق بالنجاح والأمانة. والدكتور فهد الحارثي سليل أسرة كبيرة عرفنا منهم الكثير وفي مقدمتهم المربي الفاضل الأستاذ الخلوق سعد الحارثي الذي خدم وطنه بإخلاص في مجال التعليم..
رحم الله الدكتور فهد بن جابر الحارثي وأسكنه فسيح جناته، وأصلح ذريته من بعده وجمعنا به في دار النعيم إنه سميع مجيب.