أهم ما يحدد سمات «التفكير في فراغ» من ناحية المضمون، أن تصبح مفاصل الكلام أو الحوار غير مترابطة، أو غير متصلة بعنوان الحلقة وموضوعها، أو ببقية أجزائها ومكوناتها من مشاركات الآخرين، أو بمقدمات الحديث ونهاياته؛ بحيث تفتقد إلى إحلال التناسب الدلالي المطلوب بين مكونات التركيب ليستقيم تأويل معناه. أما من ناحية الشكل، فإن أبرز ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن أن يستخدم المتحدث عبارات فارغة (لا تحتوي إضافة إلى التركيب، أو لا تعني المخاطَب المفترض ولا تضيف له أي شيء بشأن القضية)؛ أو عبارات منتهية الصلاحية مثل تشبيه الجمال بالقمر، الذي ربما يكون صالحاً في فترة زمنية يظن الناس فيها أن القمر كتلة مضيئة، ولم يدركوا بعد أنه يتكون من حجارة صماء لا جمال فيها ولا ضياء. وفي النهاية، لا بد للمستخدم أيضاً من أن يراعي طرق التفكير المنطقية في عصرنا الحاضر؛ فالانطلاق من المسلمات القديمة لم يعد مقنعاً للجمهور المنتمي إلى الأجيال اللاحقة بأن يتابعوه، أو يثير فضولهم. وبذلك تكون أقل النتائج أثراً، أن يعزف المتلقي عن متابعة الحوار، وربما يحكم على صاحب الحوار بالضعف أو الغباء، لعدم تمكنه من متابعة المستجدات.
وأخيراً أشير إلى ما كنت قد أطلقت عليه وصفة «التفكير ثلاثي الأبعاد»، الذي يتسم بتمثل روح العصر أولاً في كل فكرة يتناولها مستخدم اللغة؛ وينحو إلى التزود بلغة سليمة ومباشرة في التعبير عن موضوع يمس حياة الناس ثانياً (ويفترض أن تكون جميع البرامج الإعلامية على اتصال بأحد موضوعات الحياة)؛ وفي الضلع الثالث يحرص على احتواء المادة الإعلامية على الكلمات السحرية (التي تغري السامعين أو المشاهدين بالمتابعة)، وهي بالمناسبة ليست مستحيلة، لكنها تُتعلم.
@falehajmi