لم تطو العقود الثلاثة الماضية ذلك الملف القديم الذي اعتقد البعض أنه قد أصبح طي النسيان وذهب أدراج الرياح، بل عاد من جديد ليطفو على سطح الحقيقة رغم أنف كل من حاول التستر وراء جريمته بإغلاق أبوابه واعتزال الناس، إذ أفصحت تفاصيله وتطورات أحداثه عن فتح ملفات أخرى ذات صلة بالقضية الأم، والتي أوقعت كل من تسبب بإدماء حياة الكثير في شباك القضاء الذي لن يتوانى عن كشف المستور وإعادة كل حق لصاحبه الذي طالما احتله الحزن وسكنته أشباح اليأس التي كادت أن تطبق على أنفاسه لولا لطف الله ثم يقظة أبناء الوطن ممن قام بمهامه على أكمل وجه ليكون بذلك الحريص المتفحص الفطن الذي أعاد لثلاث أسر الحياة من جديد، وبث روح الأمل في عروق من ينتظر ابنه المختطف بعد أن كان يعتصره الألم.
استطاعت تلك الأيادي الملطخة بالسواد المستمد من قلوبها العفنة أن تتجرد بكل جدارة من أدنى مقومات الإنسانية لتتصدر قائمة الأكثر قسوة، وذلك من خلال انتزاع طفل من أحضان عائلته وسرق الأمومة والأبوة بدم بارد، إذ يعد أمرا خطيرا وتصرفا لا ينبئ عن شخص سوي، مما يترتب على ذلك أشد العقوبات التي لا مجال فيها للرحمة أو الغفران تحت أي ظرف، وهذا ما يقودنا إلى قضية (خاطفة الدمام) التي أصبحت حديث المجالس؛ كونها خط النار الأول في تشويه حياة أكثر من أسرة كانت تنتظر ذلك اليوم الذي يضاف لها فيه فرد جديد للعائلة، إذ بها تفاجأ بأن في ذات اليوم قد نقص فرد!.
نبارك لكل من عاد له غائبه وإن طالت المدة، وندعو الله أن يمن على البقية بعودة أبنائهم لتكتمل الفرحة، فهناك عيون شاب بها الحزن وانحنت آمالها من فرط الانتظار، كما أن من عاد واستكن في موقعه الطبيعي من أولئك الشبان الذين كانوا مختطفين في وقت سابق ما زالوا في دائرة الخطر وإن عادوا، فجميعهم بحاجة لبرامج تأهيلية مكثفة لمواكبة المتغيرات الجديدة، فكل ما هو حولهم يستوجب التكيف الذي يسبقه التأهيل والرعاية اللازمة للانخراط في تلك الحياة الجديدة؛ لان ذلك المختطف السابق لم يأت من عالمه المزيف بحقيقة واحدة سوى جسده، فالظروف تغيرت والمواقع تبدلت وحتى اسمه الذي كان ينادى به طوال العشرين عاما أو أكثر لم يعد اسمه، عدا تلك النظرات المكتظة بالأسئلة التي قد يراها من المجتمع عندما يحاول الانغماس فيه بهويته الجديدة، فكلما حاول أن يفتح صفحة بيضاء أعادت علامات الاستفهام التي على محياهم ذلك الشريط الذي قد يكون بمثابة «لعنة» تطارده وتحوم حول كل بداية جديدة يحاول أن يبدأها بعيدا عن كل ما قد ينغص عليه حياته أو يجره للوراء الذي نجا منه.
11Labanda@