فحين نتأمل الفكرة أو السؤال الغريب المطروح، نجد أن صاحب التغريدة يظل يدافع عن رأيه بكل قوة وشدة، وفي بعض الأحيان بتعليقات ساخرة ولاذعة على المتابعين! وهذا يدفعني إلى التساؤل هل كان طرح الفكرة من أجل الوصول إلى الحق والصواب؟! أو مجرد استعراض للقوة في الرد بالأسلوب السفسطائي (التلاعب بالألفاظ من أجل الانتصار لرأي). وهذا الأسلوب هو الذي حذر منه الفيلسوف سقراط حين وجد أن النقاش انتشر في عصره لمجرد الكلام وليس من أجل الوصول إلى الحقيقة، بل هو الانتصار للهوى والنفس!. وهذا ما أكده الإمام الشافعي- رحمه الله- حين قال: ما ناظرت أحدا إلا تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه. وهي منزلة عظيمة في صفاء النفس من الأهواء والانتصار عليها. ومن هنا قال سقراط: دعونا نتبع الدليل أو الحُجة إلى حيث تقودنا (يعني نستبعد الأهواء في النقاشات).
وإني استغرب من بعض الذين لهم حسابات على توتير وربما هم من بعض المثقفين أو الإعلاميين حين يطرح فكرة أو سؤالا ثم يبدأ بالخصومة في الردود على الذين لم يوافقوا على رأيه!. صحيح إنه من حقه أن يبين وجهة نظره ويدافع عنها، ولكن ألا تعتقد أن بعضا من المتابعين لك قد يكون أعلم منك منزلة وأبلغ منك في الحجة!
والمسألة الأخرى، لا يعني أنك طرحت فكرة أو سؤالا لا بد أن ترد على كل كلمة وجملة قيلت من المتابعين. بل دع الآخرين يطرحون آراءهم، فحين تنصت لهم أكثر تتعلم أكثر. وقد قال العالم الجليل عطاء بن أبي رباح- رحمه الله-: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد!
والواقع أنه ليس المقصد من النقاش أن تحج وترد على كل من تكلم، بل إن المقصد هو إثراء فكرة وإنعاش طريقة التفكير لدى المتابعين والآخرين، لأن التساؤلات تقود إلى أفكار جديدة ومبدعة، ولكن بأسلوب راق. وأما الرد على كل تعليق وعلى كل كلمة فكأنه انتصار للنفس لا للفكرة.
ولا تندهش حين تعلم أن الذي يغير رأيه بسرعة وبسبب تغريدة خاطفة، فهو لم يكن يملك قناعة أصلا! لأن مساحة توتير صغيرة وهي ليست مجالا لطرح كامل الفكرة مع شرحها وأدلتها والاستنتاجات منها، فلكل مقام مقال.
ومن الملاحظ أيضا أن الكثير يتزحلق في دوامة الجدل العقيم، وصدق الله- سبحانه وتعالى- حين قال: «وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا». وستجد البعض يعتقد أنه في كل نقاش لا بد أن تكون فكرته أو رأيه المطروح هو الصواب، ولا بد من الرد على كل مخالف. والإمام الشافعي كان يقول لصاحبه: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟!. والإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- كان يقول: تسع أعشار (90 %) العافية في التغافل!. فالتغافل عن الرد ليس ضعفا أو قلة حيلة، بل لأن المقصد الرئيسي هو تنشيط أذهان الآخرين للتفكير.
وخلاصة القول، أن نزرع البذرة (الفكرة أو التساؤل) ثم نرحل بهدوء ووقار، لأن الحق أبلج والباطل لجلج!
abdullaghannam@