يحكى أن مزارعا فقيرا فقد حصانه الوحيد الذي كان يعد بمثابة ثروة في تلك الأيام، فجاء أهل القرية يواسونه على فقده الكبير وتعطل مصالحه لكنه أجابهم «ومن يعرف الخير من الشر»، وبعد عدة أيام وجد ابنه حصانًا غريبًا يرعى في أرضهم، وحسب القانون المحلي فهو بذلك يصبح ملكًا للمزارع، فجن ابنه فرحًا وتوافد الجميع مهنئا بالثروة العظيمة التي هبطت عليه، لكن المزارع بقي هادئا وقال «ومن يعرف الخير من الشر»، وبعد عدة أيام اختفى الحصان فحزن الابن كثيرا، وشعر أهل القرية بالشفقة عليهم، لكن المزارع ردد إجابته المعروفة «ومن يعرف الخير من الشر»، وفي اليوم التالي عاد الحصان ويجري خلفه عشرة أحصنة، فقفز الابن فرحا وتوافد القرويون لمشاهدة الحظ العجيب الذي أصاب المزارع، وكان يتأمل المنظر بتأمل عميق، ثم علق مبتسما، ومن يعرف الخير من الشر، ومرت بضعة أيام أخرى وبينما كان ابن المزارع يمتطي أحد الأحصنة الجديدة رماه الحصان فوقع وانكسرت ساقه، فلعن الحصان متألما وندم على اليوم الذي أتاهم فيه، فنظر إليه المزارع بحنان وربت على رأسه ثم همس له «ومن يعرف الخير من الشر»، وبعد تلك الحادثة بأسبوع هجم الجنود على القرية بحثا عن الشبان لتجنيدهم في الجيوش، فأخذوا كل شباب القرية واستبعدوا ابن المزارع؛ لأن ساقه مكسورة ولا يصلح للعمل، وتستمر أحداث القصة بالتأرجح للأمام والخلف، بفعل الرغبة والمقاومة، حيث يمثل الأب نمط المراقب الذي يستبعد تقييد الأحداث بالأبيض والأسود والخير والشر، انطلاقا من قناعته بأنه حين نقرر ونعلن أن شيئا ما هو ضرر أو خطر، يبدأ هذا الشيء باكتساب الطاقة، والتحول لفعل ما يتناسب مع توقعاتنا منه أكثر وأكثر، وإن وصف شيء ما بالسلبية هو قناعة مبرمجة، فالأشياء ذات طاقة محايدة، ويعتمد اتجاه تحولها على المسمى المعطى للتجربة، وكل ما تختبره روحك مقدر لها لسبب وجيه، ومرسل من لدن حكيم عليم، وعندما تبدأ في إدراك أن الأحداث التي تطلق عليها سيئة أو سلبية قد وجدت لتحقيق نموك وخبرتك، فيسهل عليك أن تتحمل مسؤوليتها وأن تتحرر من وعي الضحية، فالحديث بالسوء عن شريك حياة سابق، أو شريك عمل قديم، يظهر أنك لم تقدر تجربة التعلم، وأن الموقف سيتكرر في حياتك حتى تستوعب الدرس، فلا شيء يحدث لك مستقلا عنك، وكل تجربة تشحنك بما يفيدك بشرط أن تستقبلها برضا، وتحررها من قيود تصنيفاتك.
LamaAlghalayini@