لم يعد فيروس كورونا بحاجة إلى التعريف به، ولا تقديم المعلومات الأولية عنه؛ بل ربما أصبحت المعلومات الخاصة به تعاني من فائض كبير، سواء في الكمية أو النوعية. فقد اقتحم جميع أخبار العالم، وتحليلات المختصين والسياسيين والمنظمين والموجهين في كثير من الأحداث العالمية، بما فيها السياسة والاقتصاد والتعليم والرياضة والسياحة، وكل حياة شؤون البشر. ولن يكون حديثي عنه طبيا، أو تاريخيا بشأن نشأته ومصدره، فتلك أمور لا تدخل في الموضوع الذي اخترناه عنوانا لهذه المقالة.
ما يهمني الإسهام به للقراء، وقد سبقني بالتأكيد بعض الكتاب والبيانات التوعوية أو التحذيرية أو التطمينات فيما يخص بعض جوانب الإصابة به، هو الرؤية الموضوعية، التي بدونها لن يكون هناك تعامل واقعي مع الوباء (حسب التصنيف الأخير لمنظمة الصحة العالمية)، كما لن تبقى هناك حياة طبيعية، إذا سيطر الفزع، وأصبحت تصرفات الناس قائمة على الخوف من مجهول؛ فمثل تلك الحالات، كما يقول المختصون، هي أحد الأسباب الرئيسة للإصابة به، وجعله يفتك بالشخص الخائف، لأن مناعته متدنية، حيث تتجه كل منظومة الدفاع في الجسم لمقاومة حالة الخوف، فلا يصبح الجسم قادرا على مقاومة الأجسام الغريبة التي تقتحم جهازه التنفسي، لتستقر في خلاياه، وتصنع لها بيئة حاضنة. وفي المقابل لا أقلل من قيمة الاحترازات، التي سعت إليها كثير من بلدان العالم، سواء بالوسائل التنظيمية عن طريق الحد من التجمعات الكبيرة، أو المحاولات الفردية بتجنب وسائل النقل المكتظة في بعض المدن الكبيرة والاهتمام بتنظيف اليدين قبل ملامسة الوجه، وتحاشي المصافحة ولمس الأشياء المعرضة لنقل العدوى، وغير ذلك من الاحترازات الموصى بها من السلطات المختصة في وزارات الصحة أو أجهزة التوعية الرسمية.
وعودة إلى ما حدث في تاريخ هذا الفيروس الذي يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، وأرعب كثيرا من الناس، وأحدث آثارا كبيرة. لو نظرنا إلى تعامل الصينيين معه، وهم كانوا قد رزئوا به أشد ما تكون الحالة، لأنه ظهر عندهم أولا، قبل أن يكون معروفا للعالم. وبالرغم من الاضطراب في البداية، إلا أنهم فيما بعد تعاملوا مع منطقة موبوءة، يقطنها أكثر من عشرة ملايين نسمة بطريقة احترافية وجذرية، أذهلت العالم. كما ظهرت نتيجة تلك الجهود قبل أسبوع، عندما أعلنوا السيطرة على الفيروس في مدينة ووهان بإقليم هوبي، بؤرة انتشار الفيروس، وخلع الأطباء والطواقم الطبية كماماتهم في إشارة إلى انحسار المرض عن الإقليم، بعد أن قضوا أوقاتا عصيبة في مساعدة المرضى والنوم داخل المستشفيات بعيدا عن عائلاتهم. وفي إشارة رمزية أيضا إلى هذه الحقبة، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة مدينة ووهان دون أن يرتدي الكمامة، ليعلن عودة الحياة الطبيعية إلى المنطقة، التي قيل إنها ستعاود نشاطها الصناعي بالكامل خلال الأسابيع القادمة.
في المقابل نجد تصريحات غير مسؤولة من الساسة الأوروبيين، فيها تهويل للموضوع أو الإدلاء ببيانات غير دقيقة يجدر بالسياسي التحري قبل التصريح بها. فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعلنت في تصريح صادم، أن احتمال إصابة 70 % من الشعب الألماني بهذا الفيروس واردة. وفي تصريح غريب آخر، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن كثيرا من البريطانيين عليهم الاستعداد لفراق أحبتهم قبل أوانهم، في إشارة إلى أن بريطانيا ستشهد حالات وفيات كثيرة بسبب هذا الفيروس.
@falehajmi