أما الآن وقد اعتدنا على بيئتنا فإن في أفق التخطيط الحضري ما يدعو للرجوع لعدد من تلك القيم والارتباطات، التي جعلت من مجتمعاتنا في السابق أماكن حيوية وصحية من حيث تكوين العلاقات وجودة الحياة.
هذا التوجه يكمن في التقسيم الخوارزمي (algorithmic zoning) وهو ما زال في بداياته النظرية وإن كان يعد
بتحولات جذرية لمستقبل المدن. التخطيط الحضري الحالي يعتمد على تقسيم الأراضي في استعمالات محددة، نادرًا ما يطرأ عليها تغيير وهي بهذا نظام ثابت لا يأخذ في الاعتبار التغيرات من حيث الاحتياجات والتوجهات. في حال التغيير يستبدل بمخطط مشابه له من حيث الثبات. أما التخطيط المبني على التقسيم الخوارزمي فهو ديناميكي ومتحول مع المعطيات التي تقدم من خلال الكم الهائل من البيانات للأشخاص الساكنين والعاملين في الحي. ويمكن من خلال هذا النظام أن نضمنه حوافز لسلوكيات إيجابية للمجتمع.
يعتمد التقسيم الديناميكي على تقنية سلسلة الكتل (Blockchain) والدفاتر المالية المنشورة (distributed
ledgers) والعقود الذكية (Smart contracts) وتعلم الآلة (machine learning). كل هذا في سبيل تحسين المدن والحوكمة الحضرية وتحديدًا في داخل الأحياء من خلال بناء مجتمعات مستدامة وصحية.
يعتقد بأن هذا التقسيم سوف يزيد من التنوع والعدالة في المجتمع، حيث إن الخوارزميات تتسم بصفات يحددها المجتمع بنفسه ومن خلالها تتم مكافأة السلوكيات الاجتماعية ذات القيمة العالية في المجتمع.
كيف لمجتمع كهذا أن يعمل وما انعكاساته على البيئة الحضرية؟ على سبيل المثال يتم حصر الحي بسياج جغرافي (Geofence) يسمح بالتعرف على السكان والعاملين فيه، ويكافئ النظام هؤلاء الذين يسكنون ويعملون في نفس الحي، وبذلك قللوا الحاجة للتنقل والتلوث الناتج عنه ووفروا الوقت، ولذلك انعكاسات إيجابية على الصحة العامة. إن كنا نحتاج في الحي خدمات محددة وحدائق وعاملين في قطاعات مساندة، فإن المطورين الذين يوفرون هذه الخدمات قد يجدون تسهيلات مالية داعمة. كذلك العمال الذين قد لا يستطيعون السكن في منطقة ذات إيجارات خارج نطاقهم الاقتصادي، قد يجدون أن قيمة وجودهم في الحي ترتفع مع حاجة السكان لهم وبذلك قد يسكنون بسعر أرخص. كل ذلك يمكن أن
يتم من خلال عقود ذكية ذاتية التنفيذ، حيث تعتمد على توفر شروط معينة لإنفاذها متى ما توفرت. تسمح الخوارزمية بالتعديل المستمر وبمشاركة السكان والإدارة المحلية، بحيث يتم تحديد الاحتياجات بشكل مستمر.
إن هذا التوجه ما زال في بداياته ولم يطبق بعد إلا بتجارب بسيطة، وتأتي معه تعقيدات تنظيمية وقانونية وحضرية هائلة لا بد النظر فيها بعناية. مع ذلك فإن التقسيم الخوارزمي هو مستقبل المدن الذي قد يعيدنا إلى مدن ذات قيم ومجتمعات مترابطة.
sssolaiman@