[email protected]
لو أردنا أن نعمل إحصاء عن أكثر الوزارات تعرضا للنقد طوال مسيرتها، لوجدنا أن وزارة الصحة تحتل المركز الأول بلا منازع، وبفارق كبير عن أقرب منافسيها، ذلك لأنها الوزارة التي تتعامل مع المواطن في أسوأ ظروفه النفسية، وربما تكون هي الوزارة الأكثر تغييرا لمسؤوليها، ليس عندنا وحسب، وإنما في معظم دول العالم، وحتى بعد تولي معالي توفيق الربيعة لحقيبتها رغم نشاطه الملحوظ حقيقة، إلا أنني أعتقد أنها ظلت تحتل المركز الأول في تلقي سهام النقد. غير أن أزمة فيروس كورونا والخطط التي انتهجتها الدولة، ونفذتها وزارة الصحة بالتعاون مع كافة الأجهزة والمؤسسات، وطريقة إدارتها اليومية للأزمة سواء في الجانب الطبي أو الوقائي، أو في الجانب الإعلامي، قدمت الوزارة بوجه مشرق ومتألق، اكتسب احترام المواطن والمقيم، كما حظي بإعجاب وتقدير المؤسسات الطبية الدولية في كثير من دول العالم، فما الذي حدث، أو ما الذي «حدا عن ما بدا» كما يقول أشقاؤنا اللبنانيون؟، ولماذا تبدل القدح مدحا، والذم إشادة؟.
في تقديري أن الذي حدث، وقلب الصورة رأسا على عقب، أن الناس أولا قارنوا بين آليات معالجة الموقف داخليا وخارجيا، واكتشفوا أن إدارتنا للأزمة قد تفوقت وبمراحل على دول كثيرة مما يسمى دول الصف الأول خاصة بعدما سخرت القيادة كافة الإمكانيات خلف جهود الصحة، هذا أولا، والثاني أن الوزارة أدارت الأزمة إعلاميا بكثير من الحصافة والمسؤولية، وبعيدا عن «الشو الإعلامي»، أو البحث عن الهاشتاقات، ومسابقات الترند، وأنا هنا أتفق تماما مع ما ذهب إليه الزميل الدكتور عثمان الصيني في مقاله الجميل والمنصف «لماذا نجحت وزارة الصحة إعلاميا» والذي نشرته الوطن الأحد 22 مارس، وإشادته بخروج الوزير والمتحدث الإعلامي للناس من صفوف الناس، وليس من كرسي الوزارة، أي التحدث معهم بمنطق ولغة المواطن الذي يبوح لأخيه ويناصحه، وليس المسؤول الذي يملي تعليماته، ويلقي بالمسؤولية عن أي تقصير على الآخرين، إلى جانب الشفافية في ذكر الحقائق، ما جعل الناس يحتكمون في أي رسالة واتساب إلى تغريدات الوزير أو إيجاز المتحدث اللبق د. محمد العبدالعالي للوصول إلى الحقيقة. أما الأمر الآخر والذي ساهم من وجهة نظري في نجاح الوزارة، وهو الأهم، فهو الآلية التي انتهجتها الدولة في إدارة الأزمة، عندما بكرت في خطواتها الاحترازية دون إبطاء، ثم أعطت الخبز لخبازه، فأسندت دفة القيادة لوزارة الصحة، وهيأت بقية القطاعات لتعمل معها وتساندها، مما وفر للوزارة مساحة حرة للتحرك بكل رشد، وعلى طريقة الخطوة خطوة، بحيث لا يرتج الأمر على الناس، أو يدفعهم للهلع الذي يمكن لا سمح الله أن يلخبط كل الأمور، وهذا هو العنصر الرئيس في نجاح وزارة الصحة، الذي استحقت عليه ثناء خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- وإشادته بما تقدمه الطواقم الطبية في هذه الأزمة، وهذا هو بيت القصيد، فلولا فضل الله أولا ثم وعي ونباهة القيادة بأهمية المبادرة، وكسر جمود وبيروقراطية الأداء الحكومي، وتعزيز صلاحية ذوي التخصص في إدارة أزمة من هذا النوع، لما تحقق هذا النجاح، ولما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نتمنى أن يكتمل بوعي المواطن، واستجابته لنداءات المسؤولين بالالتزام بالمنازل، حفظ الله الوطن وقيادته وشعبه والأمة والإنسانية قاطبة من كل مكروه.
[email protected]
[email protected]