لم يكن ذلك العدو الآتي من المجهول والذي يحاول أن يجعل له موقع قدم في كل بقعة من بقاع هذا العالم بسليط للدرجة التي لم تسمح لنا باستنباط الفوائد من وجوده، والجوانب الإيجابية التي قد نجنيها جراء ما أحدثه هذا المتهور في بقاع الأرض، إذ أننا قد نخرج بالكثير منها لو أمعنا النظر في طقوسنا الجديدة التي فرضتها علينا الأزمة الحالية والتي جعلتنا أكثر وعيا وقدرة على تجنب مناطق الخطر والتصدي لكل ما قد يجعل منا فريسة سهلة لذلك العدو الذي يصطاد ضحاياه بشكل عشوائي ويطمح بالمزيد.
لقد واصلت المملكة التدابير الاحترازية للحد من تفشي سم هذه الأفعى لأعلى مستوياتها، وقرار منع التجول على كافة المناطق من السابعة مساء حتى السادسة صباحا، خطوة حازمة وحكيمة تعكس مدى الحرص على سلامة كل فرد من أفراد شعبها الذي يتمتع بالرعاية الفائقة من خلال تتبع كل ما قد يحافظ على سلامته وتسخير كافة الوسائل الممكنة لتكون كالدرع الواقية بينه وبين تلك الأفعى المتربصة على ناصية الغفلة من أحدهم أو الجهل من آخر مما قد يتسبب في كارثة قد تطال الجميع، كما أننا لو اطلعنا على القرار من منظور آخر سنجد أنه في حقيقة الأمر «منع تجول لها» فالجميع هنا يحاول أن يحد من تواجدها في كل مكان لتستطيع أنت بعد ذلك التحرك بحرية وأمان تام، وهذا ما يقودنا إلى أن يكون كل منا مسؤولا عن تصرفاته التي لم تعد تعنيه وحده بل أصبحت سلسلة متصلة تربطنا ببعضن، فإن أحسنا التصرف وتقيدنا بتنفيذ سبل الوقاية الصحيحة سننجو جميعا، وإن اعتقدنا بأننا نمتلك حق الاختيار في تنفيذ تلك السبل من عدمه فقد نصل لما وصل إليه بعض الدول المنكوبة من اكتساح تام لذلك العدو وفقد السيطرة عليه مما قد لا ينفع الندم ولا فائدة من العمل بتلك السبل بعد ذلك.
وبالعودة لتلك الجوانب الإيجابية لما نحن عليه الآن، فقد لوحظ رفع مستوى الوعي الصحي لدى الكثير بشكل كبير جدا، كما أنها عادت تلك «اللمة» للأسر التي كان أفرادها لا يجتمعون إلا نادرا، وبعيدا عن السبب الذي جعل العائلة تجتمع من جديد نتساءل: كم من أب وأم أصبحوا ينتظرون السابعة مساء كي يجتمع أبناؤهم حولهم؟ وكم من مهارات كامنة خرجت للنور في ظل الوضع الراهن الذي جعل البعض ممن لا يحتمل البقاء في مكان واحد، يفكر خارج الصندوق كيلا يكون فريسة لأنياب الملل ولا يتعدى في الوقت ذاته على قرار دولته التي تحارب بكامل قوتها من أجله، وفي الحقيقة أن هذه الأزمة قومت بعض التصرفات المائلة وصححت الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى البعض، مما يؤكد لنا أن الإنسان لا يبتلى دوما ليعذب وإنما قد يبتلى ليهذب.
11Labanda@