وقوفك في الطابور، انتظارك لإشارة المرور، فتحك الطريق للغير، عدم الاعتداء على المال العام، احترامك للحيوانات، عدم قطعك للأشجار هل هي نابعة من دافع أخلاقي أم احتراما للنظام؟ الأخلاق هي سلوك إنساني ناتج من التطور البشري يضمن تماسك المجتمع، والتغلب على الفردية والعدوانية، ويفرق بين الخطأ والصواب. فالأخلاق تطورت مع تطور ووعي الإنسان وتراكمه المعرفي. فقديما كانت تجارة البشر عرفا وعملا مقبولا اجتماعيا، ومع تطور الإنسان أصبح التعامل أخلاقيا حتى مع الحيوان. فقيمة الأخلاق أنها تحفظ للناس حقوقهم لكن الإشكالية إذا كان الالتزام بالأخلاق لا يحقق تلك المصالح، فمثلا ما معنى وقوفك في طابور إذا لم يحترم الآخرون هذا العرف.
الوازع والضمير والقيم تدفعك كدافع شخصي داخلي، لكن إذا لم يستطع الضابط الشخصي الذي يعبر عنه بالأخلاق أن يضبط سلوك الإنسان في مجتمع ما هنا يأتي دور النظام حتى يعيد تصويب الفرد. فكما ذكر في الأثر (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) فأحيانا تضطر لممارسة السلطة لضبط المسائل. حتى في المجتمعات المتحضرة فالقانون موجود ويعتمد عليه، لكن لا يغفل الجانب الأخلاقي. فالنظام لا يستطيع أن يغطي كل الحالات، فنحن بحاجة للأخلاق والنظام معا لتعمل متوازية. الأخلاق تأتي لتعزز النظام إذا كان موجودا وأحيانا النظام يستقي تعليماته من الأخلاق التي منبعها قيم المجتمع. أما في المجتمعات المتدينة أيا كان هذا الدين، فبالضرورة أن الدين يشتمل على قواعد سلوك تترجم عبر قوانين أو أنظمه تحدد علاقة الناس ببعضهم وتعاملهم وحرياتهم وتضمن حقوقهم كأفراد ومجتمعات.
حتى ينجح القانون يجب أن يكون له قيمة معينة تعبر عنه ويكون سهل التطبيق أو يواجه غالبا برفض اجتماعي، ولكن ليس بالضرورة، فبعض الشركات تتجه لبعض الدول التي بها قوانين غير أخلاقية لممارسة بعض الأنشطة التجارية، أو التجارب العلمية. وبعض الشركات تعامل الموظف معاملة لاأخلاقية فتراه يعاني للحصول على حقوقه. فالأخلاقيات تضمن حقوق الموظف كما تلزمه بواجباته، وفي حال تنازل الموظف عن قيمه الأخلاقية تمرد على النظام ودخلت الواسطات والرشاوى والتزوير والاستحواذ على المال العام. فنستنتج أن الالتزام بالنظام شكل من أشكال الأخلاق ولكن لنتساءل، أيهما أكثر تأثيرا على المجتمعات الفساد الأخلاقي أم الفساد الإداري؟.
@alhuzaim1