كيف تطورت العلاقات التي ربطت الإمام عبدالرحمن المهدي بقيادات المملكة، منذ أيام الملك المؤسس «طيب الله ثراه»؟
- علاقات كيان الأنصار مع قيادات المملكة تعود لسنواتٍ طويلة، حيث ربطت بين الملك عبدالعزيز «طيّب الله ثراه» بالإمام عبدالرحمن المهدي، وتواصلت مع الملك سعود، والملك فيصل -يرحمهما الله-، وأذكر أن الملك سعود قدّم للإمام عبدالرحمن قرضًا بمليون دولار لمواجهة معركة الاستقلال، ثم بعد مجيء الملك فيصل، حرص على تعميق العلاقة، فزار الجزيرة أبا «معقل الأنصار» جنوب الخرطوم، فأقيم له استقبال تاريخي حيث اصطف الأنصار في صفوف طويلة، ونُحِرت الذبائح، وكان سعيدًا جدًا بهذا الاستقبال، ثم زار في 1965 مدينة الضعين بدارفور، وقد وقف معنا ضد الانقلاب الشيوعي في 1969.
وماذا عن الروابط التاريخية العلاقات السودانية السعودية بشكل عام؟
ـ العلاقات بين البلدين بدأت قبل طفرة النفط، وتعمّقت بوجود الرعيل الأول من السودانيين الذين تركوا بصمات مميّزة، وعلاقات إنسانية رائعة، فكان منهم عدد من المدرسين الذين رسّخوا انطباعات حميدة في ذهنية إخوتنا السعوديين، والأطباء والمهندسين أيضًا، والآن أكبر جالية سودانية بالخارج موجودة في السعودية، ورعت الخرطوم الصلح بين الملك فيصل والرئيس المصري جمال عبدالناصر عام 1967 بعد نكسة حزيران، حيث طلب عبدالناصر من السودان أن يقوم بدور مصالحة مع الملك فيصل وقد تحقق ذلك.
وفي ظل الصراع بالمنطقة بعد حرب العراق وإيران، ثم الصراع الإيراني، ونظرا لموقع السودان فهو مهم جد لأمن البحر الأحمر والمملكة العربية السعودية؛ وشواطئ بلادنا خلفية مهمة لتأمين صادرات النفط، وكذلك قضايا الأمن الغذائي، كل هذه العوامل تقف شاهدًا على متانة العلاقات.
كيف تقرأ المشهد السياسي السوداني في الوقت الراهن على خلفية الأزمة الاقتصادية؟
- الراهن السياسي مأزوم، وحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير خلّفت أزمة اقتصادية وسياسية، وأشعلت حروبا داخلية، والثورة لعب فيها الشباب دورًا كبيرًا، فنشأت لها قيادة ظرفية من تجمّع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير، وأقول ظرفية باعتبار أن الثورة شارك فيها كل الشعب السوداني، غير أن قوى الحرية والتغيير أخرجت جداول للمظاهرات والمواكب، فخلقت رباطًا مع الشباب الذين اعتقدوا أنها القائدة، مما جعلهم يشكّلون الوضع الانتقالي.
أغلب هذه القوى ناشطون وأحزاب لافتات بلا قاعدة جماهيرية؛ نظرًا لسيطرة الناشطين.. فالشباب مغيّبون طوال فترة حكم البشير، فظهرت بعد الثورة أول مفاوضات بين الناشطين والمكوّن العسكري، ولا ننسى أن المؤسسة العسكرية شريك في التغيير، ونتج عن تلك المفاوضات موت أبرياء، وتعطيل العملية السياسية ستة أشهر، والآن الحكومة التي شكّلت هي بلا خبرات، أغلبهم قدِموا من منظمات فأظهروا ضعفًا شديدًا في كثير من الملفات الخاصة بالسلام والاقتصاد، وإعادة الحيوية للخدمة المدنية، فقد ظلت هذه الملفات بلا معالجات، فتدهور الوضع الاقتصادي، ووصل التضخم إلى 70%، فيما لم يتحقق فيه اختراق حقيقي في ملف السلام، كما ظلت السياسة الخارجية مضطربة، وهو واقع يستوجب تسريع الحلول لإخراج البلاد من محنتها الحالية.
بتقديرك.. هل الوضع السياسي المأزوم من شأنه التعجيل بانتخابات مبكرة؟
- يصعب قيام الانتخابات في الوقت القريب؛ نظرًا لضعف الاستعدادات، فالانتخابات بحاجة لإجراء تعداد سكاني، ولكن هناك توافقًا بين القوى السياسية لتجاوز هذه المرحلة، بتحالف أوسع يتجاوز قوى الحرية والتغيير، ليقود المرحلة المتبقية حتى بلوغ موعد الانتخابات، وفي هذه الحالة يجب أن يكون هناك برنامج سياسي واضح متفق عليه، ومن ضمن معالجة الملفات المهمة، وفي مقدمتها السلام والاقتصاد على أن تتم العودة لدستور 2005، وتعاد صياغة الوثيقة الدستورية، وفق ذلك تشكّل حكومة انتقالية، تقود البلاد إلى مرحلة الانتخابات.
الان كيف تقيمون الوضع الاقتصادي للسودان؟ وهل من دول تقدم المساعادات لشعبه وحكومته؟
- الدول الغربية مانحة، ولها دور مختلف، وكان عليها أن ترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن تدعو نادي باريس لإعفاء ديون البلاد، وهي ديون تعود إلى أيام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، حينما حصل على ستة مليارات دولار، ولم يسددها، ووضعت في مشاريع غير منتجة، وتراكمت لتصبح 55 مليار دولار، هذه الدول تقدّم معونات لمشروعات فقط، وليس لميزان المدفوعات، وهذا يعني أن صندوق النقد الدولي يمكن أن يقدّم دعمه «كاش»، ودول الغرب تعمل فقط على المشاريع، وهي مساعدة لدفع اقتصاد السودان واقتصاد الدولة المراد الوقوف معها، أما صندوق النقد الدولي فله ديون لابد أن تُدفع له بداية ليدعمك، أما الدول العربية فهي تدعم عن طريق الصناديق، وأيضًا لديها مساعدات لميزان المدفوعات كدعم عينيّ أو بترول، لذلك نجد الدعم السعودي والإماراتي واضحًا ومعروفًا.
هل من الممكن أن تنشط جماعات الإسلام السياسي، بعد سقوطهم في السودان؟
- التيار الإسلامي في السودان نما كحركة صفوية في الستينيات، استطاع عبر أموال من المنظمات والبنوك الإسلامية أن يتحوّل إلى تنظيم شعبي، وفي سبيل ذلك استقطب عددًا من الموظفين والطلاب، من خلال تحقيق مصالحهم، وأيضًا قطاع التجار، حيث ظل قائد التيار الإسلامي د. حسن الترابي يوصي بتوظيف العضو منذ تخرّجه في الجامعة أو منحه قرضًا من البنوك الإسلامية، غير أن المغامرة التي قام بها منفذو انقلاب 89 انتهت لانقسامات داخلية وإجرام، مما انعكس على شعبيتهم ومن ثم تراجعت مداخليهم المادية، وبالتالي سيفقدون كل كسبهم الذي تحقق في الماضي، وليس أمامهم من عودة إلا لعهدهم الصفوي، وحتى عند قيام الانتخابات سيكون وجودهم محدودًا.
هل ما زلت تؤكد أن نائب البشير الأسبق، علي عثمان محمد طه، كان يخطط لتصفية أستاذه د. حسن عبدالله الترابي؟
- هي معلومات وليست استنتاجًا، فقد كنت حاضرًا جلسة بوجود عمر البشير، قدّم فيها مدير المخابرات حينها صلاح قوش تقريرًا لإجازة قانون استثنائي لمحاكمة قيادات المؤتمر الشعبي الذي يقوده د. الترابي، ورُفض الطلب بتدخّل مني، فقد ذكرت أن هذه المعلومات غير دقيقة، ويجب أن يرد السلاح للجيش وليس للمدنيين، وبعد حديثي قال البشير: «إن السودان لا ينقصه قانون استثنائي وأي شخص يحاسب بالقانون المتعارف عليه»، وقلت لهم: «الآن بينكم خلافات تريدون تصفيتها بالسلاح».. وما قدّمه قوش كان بإيعاز من علي عثمان محمد طه، وبعد انتهاء الجلسة عبّر علي عثمان عن غضبه مني قائلًا: «خذلت الناس»، فرددتُ عليه: «أنا أعمل على حماية حكم القانون، ويجب أن نمنع التصفيات رغم حجم المرارات التي بيننا وبينكم»، ولو وقفت مع ذلك التوجّه لكان الترابي قد أعدم في تلك الفترة، وحديثي أعطى عمر البشير دافعًا ليقف ضده.
كان من الواضح أن العلاقات جيدة بين فرقاء السياسة في السودان رغم الخلافات، كيف تنظرون إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء د. حمدوك؟
- نعم تميّز السودانيون بعلاقات حميمة لم تنعكس على سلوكهم السياسي، وهي جديرة بالدراسة من قِبَل المختصين، رغم الود نختلف سياسيًا، الذي حدث هو دخيل على السياسة، رغم أن ثقافة العنف أدخلها في السودان «اليسار واليمين»، فالشيوعيون قتلوا الأنصار في «الجزيرة أبا وودنوباي»، والإسلاميون أيضًا أدخلوا هذه الثقافة بقتل أهل دارفور، أما محاولة اغتيال د. حمدوك فهي أقرب لأن تكون عملية إنذار، وفي الغالب يكون قد نفذها أجانب، لذلك يصعب الإشارة باتهام جهة محددة، رغم أن جماعة عمر البشير هم المستفيدون، وحسبما رشّح أن القنبلة صوتية أكثر من أنها تدميرية، وهي مسألة دخيلة يجب أن يُحاسب مَن يقف خلفها، وهي رسالة فقط.. لأن حمدوك ليس شخصية مفتاحية في الثورة السودانية أو له حزب ينتمي له، وجوده من عدمه لن يغيّر الواقع، وبالتالي تغيّبه عن المشهد بلا معنى.
إيران تتمدّد في اليمن وسوريا واليمن والعراق، أليس هذا واقعًا يستوجب قيام جبهة موحّدة للتصدي له؟
- إيران تراهن على الطائفية، وهي تحاول تجييش العواطف العقائدية لمصالحها وهو أمر خطير، وهي تهدّد معابر النفط في «هرمز» وغيره، لذلك تنادى التحالف العربي لمواجهة الحوثيين المدعومين من طهران، وطبيعي أن يكون السودان ضمن هذا التحالف من خلال موقعه وارتباطه بمحيطه، الواقع أن تدخّل إيران يستوجب قيام جبهة عربية لمجابهة تمددها الذي يفتقد أي برنامج تنموي، بل هو قائم على تفجير الأوضاع في المنطقة العربية، وبث الفتنة الطائفية التي يتخذها سلاحًا في تدخّله.
أخيرًا.. هل أنتم جاهزون للانتخابات؟
- عقب ثورة أبريل 1985 لم يكن أمامنا وقت طويل، مما جعل الزعيم د. عمر نور الدائم يدعو للقيام بنفير يتوزع على جميع مناطق السودان، فقمنا بهذا النفير، وكان بمثابة «نفض الغبار»، ولا يوجد منافس حقيقي لحزب الأمة الذي حصل على المركز الأول في آخر انتخابات، والحزب هو الوحيد الذي يملك امتيازًا يجمع كل قبائل السودان حوله.