لا يختلف اثنان اليوم على أن وباء كورونا، وأخبار انتشاره في الكرة الأرضية، يتصدر اهتمام الدول، والنَّاس، وأنه ربما الشغل الشاغل لسكان المعمورة. إيران الثورة المراهقة بعد هذه السنين تحاول التخفي وراء كورونا، وتغيب ملف الطائرة الأوكرانية المنكوبة في خضم ضجيج كورونا، وضحاياها. ولكن المفاجأة جاءت من إيران ذاتها، وعلى لسان مسئول يوصف بأنه برلماني، وينتمي سياسيا إلى التيار المتشدد الذي يقوده المرشد الإيراني. القصة بدأت عندما أعطى النائب البرلماني حسن نوروزي حديثا لصحيفة همدلي قال فيه بلغة واضحة: «إن إسقاط الطائرة- الأوكرانية- كان عملا صائبا قام به جنودنا» المقصود بالطائرة بكل أسف الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري في الثامن من فبراير الماضي وعلى متنها 176 إنسانا، ماتوا جميعهم بعدما أصابت صواريخ الحرس الثوري الإيراني الطائرة التي أقلعت للتو من مطار الخميني في طهران متوجه إلى أوكرانيا ثم إلى كندا خط سيرها النهائي. ويتذكر الناس أنه بعد إسقاط الطائرة أنكرت السلطات الإيرانية علاقتها بالحادث. ولكن وتحت الضغط، والتهديد الدولي اعترف الجانب الإيراني عن مسئوليته بإسقاط الطائرة.
النائب حسن نوروزي تحدث بلغة لا ينقصها الفخر، والتباهي بأن الطائرة عند إقلاعها تبين للجانب الإيراني أنها تسير من قبل قوى دولية معادية، وليس من قبل القوات الإيرانية، لذا صدرت الأوامر من الحرس الثوري بإسقاط الطائرة المدنية التي تقل 176 إنسانا على متنها. إيران بعد حادثة سليماني- مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس من قبل أمريكا- وبعد تزايد العقوبات الأمريكية الضاغطة عليها تحاول أن تحارب على كل الجهات، وفيما يخص موضوع الطائرة فإن إيران والمسئولين فيها كذبوا على العالم، حيث قال روحاني في الأيام الأولى لإسقاط الطائرة، إن من قاموا بالخطأ البشري الذي أسقط الطائرة سيحاسبون عليه، وبعد ذلك بأيام قال وزير الخارجية الإيراني للصحافة العالمية إنه تم القبض على من تسبب بإسقاط الطائرة.
اليوم وبعد ما يزيد على ثلاثة أشهر يحاول الجانب الإيراني اللعب، والتسويف، والمراوغة، وأهم من ذلك الاستفادة من الأوضاع الكارثية التي يخلفها انتشار الفيروس للتعمية على موضوع الذائقة بالكامل. حيث نجد أن إيران قد ماطلت كثيرا في موضوع التعاون في التحقيق في الكارثة وإعلان أسبابها، وسعت وبشكل مباشر إلى تغيير مسرح الجريمة وتبديل معالمه، ثم غدت تراوح مرة بالقبول وأخرى بالرفض في التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة، ومع الدول القادرة على فحص الصندوق الأسود. إيران إلى اليوم ترفض اشتراك أي طرف في قراءة معطيات الصندوق الأسود، رفضت أي مشاركة أمريكية، حتى من قبل الشركة المصنعة! وقبلت نظريا بمشاركة فرنسية بعد أن قالت: إن الصندوق الأسود لحق به ضرر وتلف بالغ لا يمكن معه قراءة محتوياته.
النائب حسن نوروزي الذي يتباهى بقتل كل ركاب الطائرة تحاول السلطات الأخرى وخاصة الحرس الثوري إسكاته، وأبعد من ذاك تصفه بأنه خان الأمانة، بما يعني أن النظام الإيراني بمختلف طبقاته على علم بإسقاط متعمد ولأسباب سياسية للطائرة، ولكن هذا الرجل فضح السر وخان الأمانة، إيران تعتقد أن العالم نسي هذه الجريمة الدولية، وهم هنا واهمون ففي أوكرانيا لا تزال حالة البحث عن حقيقة ما جرى تشغل الدولة، والمسئولين، وفِي كندا حيث معظم أسر الضحايا من الجنسية الكندية يصار إلى إنشاء تنظيمات مدنية تطالب الجانب الإيراني بإعلان اسماء المتورطين، وطبيعة العقوبات التي ستطبق بحقهم، علاوة على إقرار بتعويضات مجزية للضحايا. من المؤسف أن دول العالم، وخاصة الدول التي منها ضحايا تتعامل بمنطق القانون الدولي لتثبيت الحقوق مع ثورة أقرب ما تكون للعصابة من الدولة.
salemalyami@