يبحث الإنسان دائما عن المعنى، فهناك أحداث كثيرة تحدث في حياتنا، وإن لم نعطها معنى أو نربطها بمجمل حياتنا فلن تثري مسيرة وجودنا، ويكمن التحدي في أننا نستقي معاني الأحداث من خريطة إدراكنا، وملف قيمنا وخبراتنا التي أخذناها من مجتمعنا وتربيتنا، ولهذا تتغير ترجمتنا للحدث دوما مع تغير الخبرات والتجارب، فقديما كانت لحركات النجوم معان كبيرة وجليلة، حيث كان ظهور الشهب يعتبر نذيرا وبشيرا لتغييرات قادمة، لكن العلماء الآن لا ينظرون للكواكب والمذنبات بهذا الشكل، وإنما كجزء مهيب من كون بديع استطعنا بفضل الله غبر الكثير من القوانين التي تسيره، فاختلاف خرائطنا يصنع معاني مختلفة لتجاربنا، وكمثال للتوضيح «ما الذي تعنيه عاصفة مطرية بالنسبة لك»؟ لا بد أنها أمرا سيئا إن كنت تسير في الشارع بلا مظلة، وخبرا جيدا إن كنت مزارعا تعاني أرضك من الجفاف، وأمرا مزعجا إن كنت مشرفا على حفل في الهواء الطلق، فمعنى الحدث معتمد على الإطار الذي تضعه فيه، وعندما تغير الإطار ينشأ معنى جديد، باستجابات ومشاعر جديدة، وبالتالي فإن قدرتك على إعادة تأطير أي حدث تمنحك المزيد من الحرية وخيارات الاستجابة، فليس هناك شيء جيد أو سيئ بحد ذاته، لكن تفكيرنا هو الذي يقرر ذلك، ولهذا يلجأ الكثير للنكت لإعادة ترجمة الحدث، وتخفيف التوتر، كآليات يبتكرها العقل الباطن للتغلب على هواجس ومخاوف تؤرق العقل، فالنكت من أقوى أشكال إعادة التأطير، فهي تبدأ بوضع الأحداث ضمن إطار ما ثم تقوم بتغيير مفاجئ وحاد، وتنعطف نحو سياق مختلف يعطيها بعدا جديدا، وهنا يكمن إبداع النكتة، وأثرها السيكولوجي في تحقيق قدر من التوازن بين انفعالات الشخص المتناقضة، ولهذا فالحديث عن إعادة التأطير ليس المقصود به أن نلهي أنفسنا بسراب المنظور الوردي، وأن ندعي بأن كل شيء يبدو لامعا وجميلا، لكنه محاولة لإمعان النظر في الأمور من عدة زوايا لرؤية المكسب المحتمل، والنظر للتجربة بشكل إيجابي يحفزك ويدعم أهدافك الخاصة والمشتركة مع الآخرين، ويهمنا هنا ترجمة هذا الكلام على الواقع العالمي الذي نتشاركه جميعا في البقاء المنزلي وعدم الخروج، ومن بين معالم هذا الواقع الجديد، هو ذلك الاختبار القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، وسقوط معظمها في مصيدة رسائل الذعر وشائعات بث الخوف، لكن هذا لا يجعلنا نغفل عن العديد من الرسائل التوعوية الحكومية، التي تجتهد في ابتكار عباراتها كنوع من الحرب النفسية على الفيروس، ومحاولة في التخفيف من الضغط العصبي على المواطن، بالدعوة للتعاون اليوم، من أجل غد قريب آمن، ورسم صورة مستقبلية للقادم الأجمل، ومنها تلك الرسالة الذكية التي وصلتني منذ أيام تقول «نفترق اليوم، لنجتمع غدا»، اللهم عافنا من كل بلاء ووباء، وأنزل علينا السكينه والشفاء، والأمن والأمان وأحفظنا بعينك التي لا تنام.
LamaAlghalayini@