لا يشك مطلع على العلوم الإنسانية في العصر الحديث في أن كارل غوستاف يونغ صاحب نظرية اللاشعور الجماعي، ومفهوم الظل، والعلاج بالعشق، هو أحد الأعمدة الثلاثة - إضافة إلى فرويد وآدلر - التي قام عليها علم النفس الحديث. ووفقا لآراء عالم النفس البريطاني أنتوني ستيفنز التي نشرها في كتاب له بعنوان: «تأملات في نظرية يونغ»، يرى هذا العالم البريطاني أن يونغ هو أعظم نفساني في التاريخ، وأن من شأن العودة إلى تبني نظرياته المساهمة في علاج كثير من الأمراض والانحرافات المتفشية في هذا الكوكب على الصعيدين الفردي والاجتماعي على حد سواء. ويرى أن دراسات المعاصرين الذين يعتمدون نظريات يونغ حول العالم، وازدياد عدد المعاهد التي تدرس نظرياته، بل وازدياد عدد الجمعيات العلمية المعنية بتلك النظريات في كل من أمريكا وأوروبا، لهي مؤشرات على محاولات الكشف عن خفايا اللاشعور.
وربما لم يلاحظ سوى قلة من الناس مدى أهمية نظرياته في تحليل الأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية في العالم. ويقول ستيفنز عن ذلك العالم الألماني: إذا كنت راغبا في فهم حركة المجتمع ومضمونه وحوافزه وتقاليده ومعتقداته، والحروب والسلوكيات الدولية، فإن نظرية اللاشعور الجماعي تزودك بأداة لا غنى عنها لتشريح وتحليل وفهم العلاقات المختلفة، والأشكال التي تتخذها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. وطبيعي أن أي محلل على طريقة يونغ ما كان ليستطيع التنبؤ بما يحدث في العالم من وقائع كبرى، لكن باستطاعة أي باحث أن يفهم العلاقات العالمية الكبرى، إذا اعتمد على مفهوم «الظل» عند يونغ. والظل عنده هو نموذج أصلي أو طراز بدائي للعدو أو للغريب الحاقد الذي قد يلحق بنا الأذى والضرر، وربما يقتلنا، مع أن هذا الظل جزء منا. إنه المظهر أو الجانب المكبوت فينا.. الجانب الذي نقمعه في أعماقنا، ونرفض الاعتراف بوجوده، إذ إننا وبصورة لا شعورية نرفض تصديق وجود ظل لنا. وبالتالي نسعى إلى إلقائه على الظروف، أو إلصاقه بالآخرين.
ويذكر العالم البريطاني أن فترة الحرب الباردة كانت أكبر مثال على صحة تطبيق هذه النظرية في الواقع، فقد كان الغرب يحاول إلصاق ظله بالشرق، كما أن الشرق سعى إلى إلصاق ظله بالغرب. فتشكل آنذاك لا شعور جماعي بالنفور والعداء والخوف المتبادل، ولا يمكن فهم وتحليل أي نزاع دولي إلا إذا استوعبنا مفهوم الظل عند يونغ وانسحاباته أو تداعياته الحتمية على اللاشعور الجماعي.
ولو نظرنا إلى الساحة العالمية حاليا في عصر الكورونا، فإننا سنجد تطبيق هذه النظرية ماثلا في محاولات القوى الغربية البحث عن قوة أخرى مقابلة، من أجل تعليق إخفاقهم في الاستعداد لهذه الجائحة.
@falehajmi