بهرنا الغرب طويلا بحضارته وتقدمه العلمي والصناعي والتكنولوجي، وأسر ألبابنا بثقافته وفنونه وذكائه الصناعي، وفرض علينا بالتالي سماته وعاداته وثقافته الغذائية ومطاعمه وكوفيهاته، حتى أصبحنا نتسابق على لي ألسنتنا لنتكلم لغته، كلما أردنا أن نظهر كشعوب حضارية، وكأن الغرب هو أبو الحضارة وأمها وجدها وحفيدها، وما عداه صفر على الشمال. وجاءت هوليوود وديزني لاند ووالت ديزني وغيرها لتعيد صياغة أحلام وتطلعات أبنائنا ولكن بقصة شعر البومبادور وربطة عنق فيرساتشي وقميص دولتشي إلخ.
باختصار لقد خطف الغرب ذاكرتنا، وتاريخنا، وثقافتنا ولا أريد أن أقول إحساسنا بوجودنا حتى صارت ثقافته هي معيارنا في الوعي، ولغته هي المعيار في التعبير، وطعامه هو معيارنا في لذة الغذاء، ونمط حياة شعوبه هو معيارنا في جودة الحياة، ومنتهى طموحنا أن نقتفي خطاه، وأن نبلغ مبلغه وأنا أتكلم تقريبا عن كل شعوب ما يسمى دول العالم الثالث بعد أن تحول الغرب في أذهاننا إلى أيقونة لأنموذج الحياة الراقية، ولم نعد نستطيع أن نتبين مساوئه، لأن أدواته في ضخ أنموذجه، وتقديمه على أنه حلم الإنسانية كانت أقوى من قدرتنا على الفرز أو التدقيق، غير أن أبرز عناوينه التي طالما عير فيها دول العالم الثالث كلها هو «حقوق الإنسان» تلك الأكذوبة الغربية التي أسقطها فيروس كورونا الزائر البغيض، عندما كشف أن تلك الحقوق في كافة المجتمعات الغربية التي تتشدق بها، ما هي إلا حقوق لسان، وليس حقوق إنسان، فأنت كمواطن غربي لك الحق فيما تقول، لكن حينما تسقط ضحية لمثل هذا الفيروس فعليك أن تتأكد من أن بطاقتك الائتمانية تكفي لتغطية تكلفة علاجك، وحين تختفي السلع الضرورية من السوق فلا أحد سيعتني بتدبير لقمة عيشك وأسرتك!.
أين حقوق الإنسان التي صدع الغرب بها الرؤوس بوصفه حاميها وعرابها؟، لماذا اختفت بهذه السرعة المذهلة مع أول جولة لهذا الفيروس الحقير الذي أسقط أعتى الأسلحة، والجيوش والمختبرات، مثلما أسقط فخامة تلك العناوين الحقوقية؟.
لقد تعرض الغرب في تصوري لأكبر فضيحة في تاريخه جراء كورونا، وأنا على يقين أن الشعوب الغربية قد فتحت أعينها جيدا على ماهية حقوق الإنسان الأصيلة عبر المواقف النبيلة لتلك الدول التي طالما اتهمتها حكومات ومؤسسات غربية بأنها ضد تلك الحقوق، إزاء معالجتها لتداعيات هذا الوباء، حينما سخرت كل مواردها وإمكاناتها وموازناتها وأرصدتها لدعم الإنسان مواطنا ومقيما من أجل صيانة حياته وتأمين علاجه، وعيشه، وأمنه بكل تفاصيله، وهو ما كشف الوجه القبيح لزيف حقوق الإنسان في الغرب، والتي تبين أنها مجرد أكذوبة ملفوفة بورق السلوفان البراق، وهو ما شهد به الغربيون أنفسهم وتناقلته السوشيال ميديا، وهذا هو الفرق بين حقوق الإنسان وحقوق اللسان.
[email protected]