في البداية، ذكر سلطان الصالح باحث دكتوراه في سلامة الغذاء بأستراليا، أن تاريخ هذه المهنة وسبب ظهورها، كان في بداية القرن التاسع عشر في إنجلترا الدولة الأولى التي ظهرت فيها الثورة الصناعية، وحينما حدث الازدهار العظيم في الصناعة وتجارة التجزئة كان هناك فرص للغش في الطعام ومع مرور الزمن تفشى وتضاعف هذا الغش وتسبب بحوادث تسمم ووفيات بأعداد كبيرة؛ مما أدى إلى إنشاء دور مهم ومهنة رسمية جديدة تسمى التفتيش الغذائي في إنجلترا ومنها إلى بقية البلدان في العالم، وتختلف مسميات المتخصصين أو العاملين في هذه المهنة من بلد الى آخر، فمثلاً لدينا في المملكة يسمى المراقب الصحي، وفي الدول الأخرى ضابط صحة البيئية أو مفتش غذائي وغيره، مشيرا إلى أن أهمية سلامة الغذاء جعل منها أولى القضايا العالمية ووفق الإحصاءات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية فإنه هناك 600 مليون إنسان يتعرض إلى التسمم الغذائي سنوياً على مستوى العالم، و400 ألف حالة وفاة ثلثهم من الأطفال، بالإضافة إلى ما تسببه أحيانا في الفشل الكلوي كما أثبتت دراسات أن بعض التسممات الغذائية قد تسبب أمراضا عقلية في المستقبل.
النظام التقليدي
وبين الصالح أن من أبرز التحديات والصعوبات التي يواجهها المراقب الصحي في مجال عمله تقسم إلى قسمين.. فالأول: يتعلق بنظام الرقابة الصحية الحالي، والآخر: يتعلق في احتياجات المراقب الصحي نفسه، وفيما يتعلق بنظام الرقابة الصحية فهناك نظامان للرقابة الصحية متعارف عليهما بين الباحثين في هذا المجال على مستوى العالم وهما النظام التقليدي أو الكلاسيكي والذي تعود نشأته إلى بدايات القرن الماضي، والنظام الحديث الذي بدأ في الظهور في التسعينات الميلادية، مشيرا إلى أن المملكة تتبع النظام التقليدي والذي يركز في المقام الأول على النظافة وتصحيح المخالفات القائمة، وهذا لا يعني أنه سيئ وقد أدى دورا مهما في الماضي ولكن الآن ومع تجدد مسببات التسممات والأمراض المنقولة عن طريق الغذاء، ومع نتائج البحوث العلمية الجديدة والممارسات المعقدة التصنيع وتحضير الطعام وجب تحديث هذا النهج للرفع من كفاءة الأداء وخفض نسبة الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء، وهذا ما يركز عليه النهج الحديث، والذي يتم تطبيقه حالياً في العديد من الدول المتقدمة، ولعل من أهم الفروقات بين النهجين هو أن التقليدي يركز على الإجراءات الرقابية التصحيحية للمخالفات بينما النهج الحديث يركز على الوقاية من حدوث هذه المخالفات، والتي قد تؤدي- لا سمح الله- الى تسممات غذائية، كما أن عمليات التفتيش على المنشآت الغذائية في الرقابة الحديثة تكون وفق معايير علمية ودقيقة والتي من شأنها أن ترفع من كفاءة الأداء وتخفض من العبء والتكاليف المادية لعمليات الرقابة الصحية، كما أنه ثبت علمياً أن تطبيق النهج الحديث في الرقابة الصحية يساهم في خفض نسبة التسممات الغذائية وهذا يتوافق مع أحد أهداف رؤية المملكة 2030 والمناطة بوزارة الشؤون البلدية وهو الهدف الإستراتيجي رقم ۷ لوزارة الشؤون البلدية في برنامج التحول الوطني، وهو توفير بيئة حضرية محلية صحية لمؤشرات الأداء ذات العلاقة لهذا الهدف الإستراتيجي، وخفض نسبة التسممات الغذائية بنسبة ۲۰ % وزيادة نسبة رضا المستهلك بنسبة ۷۰ %، وأضاف إن مما زاد أهمية موضوع الحاجة إلى تطوير نظام الرقابة الصحية عندما تعرف الاتجاهات المستقبلية لقطاع المطاعم في المملكة، حيث توضح المؤشرات أن أحد أهم الأهداف ذات العلاقة في برنامج جودة الحياة لرؤية المملكة 2030 هو زيادة عدد المطاعم من المعدل الحالي من 2000 مطعم لكل مليون شخص إلى 3010 مطاعم لكل مليون شخص بحلول 2030، وهذا يعني أنه سيكون هناك زيادة قرابة 50 % بعدد المطاعم بالنسبة للعدد الحالي.
دراسة علمية
مسترسلا ً في ثاني التحديات والتي تتعلق في احتياج المراقب الصحي وبناء على دراسة علمية أجريتها مؤخراً على جميع المراقبين الصحيين في مدينة الرياض فيمكن تلخيصها في نقطتين رئيسيتين وهما، الحاجة لدورات علمية تخصصية والتحفيز في بيئة العمل، فيما يخص الدورات التدريبية فالفرص نادرة جدا للحصول على دورة بحيث إن المراقب يعمل لسنوات عديدة قد تمتد لخمس سنوات دون الحصول على دورة واحدة في مجال عمله، وإن وجدت هذه الدورات فهي ليست من ضمن احتياجه الفعلي في مجال الرقابة على سلامة الأغذية، فمثلاً تجد هناك دورات في مجال فن التعامل مع المدراء وغيرها من الدورات الإدارية، وبالرغم من أهميتها ولكن المراقب لدينا يفتقد إلى ما هو أهم في مجال عمله الرئيسي وهو الاحتياج الفعلي إلى دورات علمية تخصصية في مجال الرقابة على سلامة الأغذية مثل الاشتراطات الصحية للأغذية من ثقافات أخرى، أسباب الفاشيات والأمراض الحديثة المنقولة عن طريق الغذاء وكيفية منع تفشي التسممات في المستقبل وادارة المخاطر ومهارات التواصل، والتي من شأنها ليس فقط دعم المراقب الصحي معرفياً ومهارياً بل وستسهل من عملية الانتقال إلى الرقابة الحديثة كذلك.
الغذاء والماء
فيما أوضح نواف الجهني المراقب الصحي والباحث في إدارة الأزمات والكوارث البيئية والغذائية أن المراقب الصحي في المعركة ضد فيروس كورونا يساهم في حماية أفراد المجتمع من المخاطر الصحية والأمراض التي تنتقل عبر الغذاء والماء، ويساهم ذلك الجندي الذي يعمل في ميدان الشرف في وقتنا الحالي في مكافحة الأمراض الوبائية من خلال المشاركة في عمليات الرقابة الصحية ونظافة وتطهير الشوارع والميادين والحدائق وألعاب الأطفال وتنظيم عمليات الدخول والخروج في الأسواق المركزية «الهايبر ماركت» وأسواق النفع العام وقياس درجات الحرارة لمرتادي وزوار تلك الأسواق للتأكد من سلامتهم وعدم ظهور أي أعراض مرضية عليهم سواء للزوار وللعاملين في تلك الأسواق، ومن الأعمال اليومية التي يمارسها ذلك الجندي المجهول كما وصفه هو مراقبة تداول وإعداد وتحضير الأغذية في المنشآت الصحية ومراقبة النظافة الشخصية للعاملين والتأكد من عدم وجود أعراض مرضية أو جروح تظهر عليهم بالإضافة إلى متابعة حفظ وتخزين المواد الغذائية المجمدة في غرف التجميد والتبريد، مبينا أنه خط الدفاع الأول لحماية وسلامة أفراد المجتمع والمحافظة على صحة البيئة بشكل عام وحماية الأمن الغذائي.
مخاطر وبائية
وبين الجهني أن المراقب الصحي يقوم بدور فعال في عمليات التثقيف الصحي للحد من خطر انتشار فيروس كورونا متعرضاً للمخاطر الوبائية في سبيل توعية وتثقيف أفراد المجتمع، ولطبيعة عمل المراقب الصحي ارتباط كبير في محاور رؤية المملكة 2030 من خلال بناء مجتمع حيوي والتمكين لحياة عامرة وصحية وتساهم عمليات صحة البيئة بشكل عام وبمختلف خدماتها في الارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية وضمان الاستدامة البيئية وحماية البيئة من الأخطار الطبيعية والحد من التلوث بمختلف أنواعه وضمان تحقيق الأمن التنموي والغذائي، مستنكرا عدم التطرق إلى الأعمال والإنجازات التي تقوم بها الفرق من المراقبين الصحيين اليومية، التي تقوم بها قبل جائحة كورونا وأثناء الجائحة إلا بعض وسائل الإعلام بتغطيات بسيطة لا تبرز الدور الفعال بالشكل الصحيح لذلك الجندي البطل، ولم تتطرق إلى الدور الهام الذي يقوم به مقدما شكره للمراقبين الصحيين «أبطال الميدان».
يعد دور المراقب الصحي من الأدوار المهمة للغاية في مجال صحة البيئة، وفي أزمة كورونا الحالية ظهر هذا الدور بقوة في الرقابة على الأغذية المختلفة، وأهميته في خفض نسبة التسمم الغذائي، وهناك العديد من التحديات التي يواجهها المراقب الصحي فيما يتعلق بالقطاع وأيضا ً فيما يختص بتطوير المراقب الصحي في المملكة والعالم.
يساهم في حماية أفراد المجتمع من المخاطر الصحية والأمراض
الصالح: يجب تحديث نظام الرقابة ليتواكب مع المتغيرات