أما ما يسمى «الكساد العظيم» الذي عنونت به مقالي، فهو شاغل الغرب وبالذات الأمريكان فترى أخبارهم ومقالاتهم وإعلامهم تمتلئ بالتحاليل والتصريحات وأحيانا إحياء ذكريات عن ذلك «الكساد العظيم» أو كما يطلقون عليه «Great Depression»، إنهم يتنبؤون بحصوله فتسمع حتى على المستوى الحكومي مخاوف ومقارنات بين ما ستترتب عليه فترة ما بعد كورونا وبين الكساد العظيم، إنهم مسلمون بأن الأيام القادمة هي الأسوأ معتقدين أن بعد حرب العالم لمواجهة الكورونا ستنجلي الغبرة وسيتضح حجم الخسائر التي ستؤدي إلى أسوأ «كارثة» اقتصادية سيشهدها هذا القرن.
لماذا الكساد العظيم الذي حدث في 1929 بالذات؟ هذه الأزمة الاقتصادية التي انطلقت من سوق الأسهم الأمريكية هي أكبر أزمة اقتصادية عالمية لم تأت مثل نتائجها أزمة، ويؤكد الخبراء أنه ومنذ الحرب العالمية الثانية، كانت الدورات الاقتصادية معتدلة نسبيا، ومنذ العام 1945 إلى عام 1990، كان هناك قرابة 10 حالات ركود بمتوسط حوالي 10 أشهر لكل منها، وفقا للمكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية (NBER). ولكن حتى أقسى فترات الركود الاقتصادي بعد الحرب العالمية كانت «قاسية» ولكن يمكن تجاوزها مقارنة بالكساد العظيم في الثلاثينيات. وذلك لأسباب ثلاثة: أولها حجم الخراب الاقتصادي والمعاناة الإنسانية الذي تسببت به. ثانيا: الفراغ الفكري الحاصل إذ كان الوضع الاقتصادي حينها يفتقر إلى نظريات تشرح وتعالج الوضع المربك الآخذ في التصعيد. ثالثا: لم تكن هناك شبكة أمان اجتماعي لتخفيف التكاليف الناجمة عن الأزمة مما صعد الأمر إلى الأسوأ لسنوات وأجيال.
وعلى الرغم من الفزع الكبير الذي يشتد بسبب تفشي الوباء عالميا والاحتياطات المترتبة عليه والتي تتسبب في خسائر بالمليارات وانخفاض أرقام بشكل لا يمكن تصوره، على جميع القطاعات والأسواق، إلا أنه وبسبب تلك الأسباب الثلاثة وزد عليهم أننا اليوم في عصر الثورة الصناعية الرابعة، فإن الأسواق قادرة على أن تعيد بناء نفسها من جديد وإن تضررت، فمنذ الأزمة الأخيرة العالم يستعد لمواجهة أي أزمة.
بل إن الأمر ينذر بدخول مبكر لثورة صناعية خامسة يمكنها أن تتضح بعد انجلاء غبرة هذا الوباء، أتوقع أن تكون في المجال الطبي.
@hana_maki00