مسألة التباعد الاجتماعي وخلق مسافة بيننا والآخرين ستصبح واقعا يسيطر على الإنسانية ويبدو أن بعضا من هذا التباعد يعزز الأمن والسلامة من الآخرين، فإذا كان هناك انطوائيون لا يرغبون في التواصل مع الآخرين، فقد جاء الأوان الذي يبتعد فيه بعض الناس دون الحاجة لمبررات قوية أو خوف من شبهة انطوائية، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التباعد يأتي بالسلامة.
اقتصاديا، ستتغير الخريطة الاقتصادية بحيث تتحرك وجهة الاستثمارات بصورة مغايرة أينما يكون الأمان أكثر، لأن رؤوس الأموال إنما تطلب الأمن والاستقرار، وقد كشفت جائحة كورونا أن كثيرا من الدول لم تكن كما كان العالم يتصورها، فهي مكشوفة في بنيتها الصحية والاقتصادية والإنسانية، ولذلك ستتأثر أكثر من غيرها الذي تعامل بأفضل الإجراءات وأكثرها فعالية في الحد من أضرار الجائحة.
سينشط الاستثمار في القطاع الصحي بحيث تكون المؤسسات العلاجية والطبية مهيأة أكثر لأسوأ الاحتمالات وفقا لمنطق النسبة والتناسب بين السكان والوحدات العلاجية التي تخدمهم، ولن تتهاون الدول في ذلك وإلا أصبحت عرضة لانكشاف صحي قد يعرضها لمتاعب تجعلها تتأخر كثيرا على المسار التنموي والاقتصادي، الأمر الذي يؤكد أن تعمل الدول بصورة متكاملة في جميع مؤسساتها البحثية على المستويات الجامعية والمراكز البحثية والعلاجية والصحية، وأي فجوة في التنسيق بين هذه المؤسسات يعني إنتاجا لأزمة محتملة قد تأتي في أي لحظة وتتعرض معها الدول لمخاطر أشبه بتسونامي الذي يمحو مساحات تنموية كبيرة من خارطة السواحل والمناطق المشاطئة.
بقاء كورونا لفترة طويلة يمثل تحديا كبيرا وضغطا هائلا على المجتمعات والاقتصادات، ولكن في ذات الوقت فرصة لتطوير السلوكيات الفردية والمجتمعية في الارتفاع بمستويات الوعي والسلامة الصحية وتقليل المخاطر على الآخرين، فكما أن الجائحة كشفت عن سلبيات فلها أيضا إيجابياتها، والتي يمكن أن نضيف منها أن تبدأ الدول في الاعتماد أكثر على نفسها في توفير المقومات الصحية والاقتصادية التي لا تجعلها بحاجة للآخرين، أو بصورة مرنة تملك معها الأدوات والوسائل التي تجعلها تتعامل مع الطوارئ بفعالية وسرعة، لأن عالمنا تغير بالفعل وسيشهد مزيدا من التغيير بعد كورونا.. وكل عام والجميع بخير.
@sukinameshekhis