مجرد فيروس حقير أعاد قلب الطاولة في وجه كبرياء الإنسان وذكائه الصناعي. بدد قواه، وجيوشه، ومختبراته، وناطحاته، وسفنه الفضائية، وأجبره على أن يعلن الهزيمة ليغلق بوابات اقتصاده، وحركة إنتاجه، ولينزوي مذعورا في البيوت لا يلوي على شيء.
جاء هذا الفيروس ليعيد صياغة مفهوم الأكبر والأصغر بعد أن التبس علينا، حتى بدا كما لو كان على تفاهته أكبر من أمريكا بكل جبروتها، وأكبر من أوروبا وعظمتها، ومن اليابان وتقنياتها، ومن الصين وتاريخها. لقد أصابنا بما يشبه متلازمة «أليس في بلاد العجائب»، واضطراب رؤيتها للأشياء، ونحن نتابع مشهد هزيمة كوكب الأرض من الماء إلى الماء على يد هذا الفيروس وإن لم يكن له يد والذي زرع الذعر في صفوف سكانها، حتى بتنا نتشكك في أيدينا نحن قبل أن نرفعها إلى وجوهنا، بتنا نعاملها كما لو كانت أطرافا غير محايدة في هذه المعركة.
جاء كورونا ليغير برامج حياتنا، وعلاقاتنا، وعاداتنا، وطقوسنا، ويمنعنا حرية الحركة، ويصادر منا قبل أطفالنا، ويضرب كل المألوف، ليجعلنا نواجه غير المألوف، كل هذا تم مثل الحلم بين عشية وضحاها.
ضرب في كل الاتجاهات. باغت اقتصاد العالم بضربة عارمة فيما تحت الحزام. فرض أجندته الخاصة على حياة الأمم. أزاح وجوها كانت تحتل كل الواجهات، واستبدلها بأخرى. وفي المقابل تراجع بريق الفنانين، واللاعبين، وارتفعت أسهم الأطباء والممرضين، وكأن هذا الفيروس جاء ليعيد تصويب الأشياء، وليمسح أصباغ التجميل والمساحيق الهوليودية عن وجه العالم ليواجه حقائقه التي توارت خلف توحش رأس المال وطغيانه.
جاء «كوفيد- 19» مثل درس أممي، ليحول العالم عنوة إلى صف دراسي واحد، فرض فيه الإصغاء لمنطقه، فهل سيستوعب العالم هذا الدرس؟، هل ستصل الرسالة ليعود الإنسان إلى إنسانيته، وإلى رشده؟.
[email protected]