وأعلنت الهند عن أكثر من 23000 حالة إصابة و700 حالة وفاة بسبب العدوى، وتبدو هذه الأرقام متواضعة بالنسبة لثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، الذي يبلغ 1.3 مليار نسمة. لكن العاملين في قطاع الصحة المجتمعية يقومون يتتبع مسار العدوى واحتوائها في مسعى لمنع تفشي المرض بوتيرة لا تستطيع تحملها منظومة الرعاية الصحية المتهالكة في البلاد.
ويتنقل عشرات الآلاف من العاملين في قطاع الرعاية الصحية من منزل إلى منزل لتتبع الأشخاص الذين ربما خالطوا المصابين بالفيروس ووضعهم في الحجر الصحي. وعادة لا يتم إخضاع الأشخاص لاختبار الكشف عن فيروس كورونا إلا إذا ظهرت عليهم أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا.
ويقول علماء الأوبئة: إن إستراتيجية المراقبة، إضافة إلى الإغلاق لمدة 40 يوما، ساعدت الهند على خفض وتيرة انتقال العدوى وانتشارها إلى أدني مستوى، مما مكن من تجنب حالات التفشي الكبيرة على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أعطت هذه الإستراتيجية بشكل كبير، الهند مساحة من الوقت لزيادة عدد الاختبارات ودعم البنية التحتية الصحية.
كشف الفيروس
وقال جيريدهار آر بابو، رئيس علم الأوبئة في دورة الحياة في مؤسسة الصحة العامة الهندية: «كانت هناك مخاوف من عدم إجراء اختبارات كافية للكشف عن الفيروس في الهند، ولكن تم إجراء الاختبارات بأسلوب مناسب»، مضيفا: «من الواضح أننا لم نترك مجالات رئيسية لانتقال العدوى ويتم السيطرة على بؤر تفشي الفيروس».
وتابع: «معدات الاختبارات عقبة رئيسية في جميع أنحاء العالم، ولكن لدينا عاملون في قطاع الصحة موجودون في كل منطقة ريفية، لذلك يتعين علينا العثور على كل حالة نشطة هناك، وبالتأكيد من الممكن القيام بهذه المهمة مثلما قمنا بها بشأن عدة أمراض على مدى عدة عقود».
وقال وزير الصحة السابق سوجاتا راو: إن المراقبة المجتمعية واختبارات المخالطة كانت مفيدة للغاية في احتواء الأمراض في الهند، سواء كان مرض شلل الأطفال أو الملاريا أو الجذام أو فيروس نقص المناعة البشرية أو إنفلونزا الخنازير.
البرنامج المتكامل
وشبكة المراقبة الوطنية في الهند، التي يطلق عليها البرنامج المتكامل لمراقبة الأمراض، لديها القدرة على الوصول إلى كل مواطن من أجل التعامل مع الأمراض والسيطرة عليها، كما تدلل على ذلك جهود الدولة للقضاء على شلل الأطفال، والتي حظيت بإشادة منظمة الصحة العالمية.
ودول مثل كوريا الجنوبية قامت بعزل المصابين عن طريق اختبارات واسعة النطاق. ولكن على النقيض من ذلك، ساعد الاختبار الموجه بالمراقبة الهند على مكافحة العدوى وهو أسلوب مفيد للدول التي تواجه نقصا في المعدات.
وحددت الهند ما إجماليه 12.4 مليون من المتطوعين والمهنيين والعاملين في قطاع الصحة كـ«محاربي كوفيد- 19»الذين يمكن استدعاؤهم لمكافحة الفيروس.
وقال هنك بيكدام ممثل منظمة الصحة العالمية في الهند: «سوف نعيش مع الفيروس. في فترة ما بعد الإغلاق، يجب أن نهدف إلى وضع نظام مراقبة حساس للغاية من شأنه أن يوجهنا ليس فقط إلى مناطق تفشي المرض ولكن يمكننا أيضا من اكتشاف حالات جديدة في أماكن جديدة».
نشطاء الصحة
وعلى الخط الأمامي، هناك 3.5 مليون من نشطاء الصحة الاجتماعية المعتمدين (آشا باللغة الهندية والتي تعني الأمل) وعمال أنجانوادي، وهم من المجتمعات المحلية والريفية الذين يشكلون عنصرا رئيسيا في برامج الصحة الأولية والمجتمعية في الهند.
وهؤلاء الأشخاص يعتنون بصحة الأم والطفل، وينفذون حملات التحصين ويسجلون أسماء الأشخاص في القوائم الخاصة بالبرامج الصحية ولكنهم الآن أول المتعاملين مع الأزمة، ويقومون بتوعية العائلات بشأن العزلة ويراقبونها تحسبا لظهور أعراض على أفرادها ويحددون المخالطين لحالات الإصابة المؤكدة بالفيروس والمشتبه فيها.
من ناحية أخرى فإن كيه كيه شايلاجا وزيرة الصحة في ولاية كيرالا، التي أبلغت عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الهند، وعملت على استقرار منحنى العدوى على الرغم من النقص في معدات إجراء الاختبارات أرجعت كثيرا من الفضل في ذلك إلى هؤلاء العاملين.
رجال التحري
ويقوم هؤلاء العاملون، الذين تطلق عليهم الصحافة رجال التحري عن الفيروسات، بتتبع المخالطين للمصاب بفيروس كورونا، ويستخدمون أحيانا لقطات مصورة عن دوائر تليفزيونية مغلقة للحصول على خيوط لعملية التتبع بالإضافة إلى القيام بعمليات الحجر الصحي الجماعي والفحص الدقيق.
وقالت شايلاجا: «إذا قمنا بعمليات اختبار لجميع العائلات، فإن معدات الاختبار سوف تنفد. يراقب العاملون الميدانيون لدينا عن كثب كل حالة يوميا، وإذا أصيبوا بالتهاب في الحلق أو الحمى، فإننا ننقلهم إلى المستشفيات على الفور، وبهذه الطريقة نحافظ على التوازن بين الاختبار وصحة العاملين».
وأجرت ولاية كيرالا 20 ألف اختبار جاءت نتائج 438 حالة منها إيجابية وتم تسجيل ثلاث وفيات فقط. وقالت شايلاجا: «إن نظامنا اللامركزي الخاص بالرعاية الصحية الذي تساعده المجتمعات المحلية، يضمن تطبيق عمليات الكشف والحجر الصحي بشكل صارم».
غير أن هناك تحديات، فشبكة العاملين في قطاع الصحة ضعيفة في المناطق الحضرية، حيث يتقاضى العاملون في الخطوط الأمامية أجورا متدنية، كما أن هناك مخاوف جديدة، تتمثل في تجاهلهم أو مهاجمتهم من قبل السكان المحليين الذين يخشون أنه ربما ينقل العاملون في قطاع الصحة العدوى لهم.
أسابيع حاسمة
وتعد الأسابيع القادمة حاسمة بالنسبة للهند؛ نظرا لأن الدراسات تحذر من أنه قد تكون هناك موجة ثانية من الإصابات بعد انتهاء الإغلاق في 3 مايو.
وإذا أصيب 10% من السكان بالفيروس، بحسب تقديرات علماء الفيروسات، فقد يواجه النظام الصحي المحاصر في الهند أعباء أوسع نطاقا من البلدان الأكثر تضررا.
وفي الهند هناك أقل من سرير واحد وطبيب لكل ألف شخص، وهذا أقل بكثير مما تتضمنه توصيات منظمة الصحة العالمية. كما أن لدى الهند أقل من 50 جهازا للتنفس الاصطناعي، يحتاجها مرضى الحالات الحرجة ليظلوا على قيد الحياة. والأطباء والعاملون يشعرون بالتوتر والقلق جراء نقص معدات الحماية حيث أصيب العشرات منهم بالفيروس.