الأصل ألا يجوز للقاضي تعديل العقد باعتبار أن العقد قانون المتعاقدين فلا يملك غيرهم تعديله، إلا أن المنظم السعودي أجاز للقاضي على سبيل الاستثناء أن يحل إرادته مكان إرادة المتعاقدين لإجراء تعديل في العقد إذا ما توافرت الشروط اللازمة لتطبيق نظرية الظروف الطارئة ومثالها جائحة كورونا التي أصابت دول العالم. وإن مبدأ العدالة يقتضي أن يتحمل الطرفان معا تلك الظروف الطارئة وأن يتم تعديل الالتزامات الناشئة في ذمة طرفي عقد المقاولة بما يتناسب مع الظرف الطارئ.
فتطبيق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تؤدي إلى فرض تنفيذ الالتزام بالرغم من حدوث هذه الظروف غير المتوقعة عند توقيع العقد وتصبح هنالك درجة كبيرة من الإرهاق على المنفذ بحيث تؤدي إلى الخسارة المالية. وهو ما قررته لجنة تدقيق القضايا (ص 3 قرار رقم 1/ت لعام 1400 جلسة 18/2/1400) المرفق في مجموعة المبادئ الشرعية والنظامية لديوان المظالم (مفاد نظرية الطوارئ غير المتوقعة أو الظروف الطارئة حسبما وضع أصولها وقواعدها فقه القضاء الإداري، أنه إذا حدثت أثناء تنفيذ العقد الإداري أو طرأت ظروف أو أحداث لم تكن متوقعة عند إبرام العقد فقلبت اقتصاداته، وكان من شأن هذه الظروف أو الأحداث أنها لم تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً بل أثقل عبئاً وأكثر كلفة مما قدره المتعاقد عن التقدير المعقول، فنشأت عنها خسارة جسيمة تتجاوز في فداحتها الخسارة المألوفة العادية التي يتحملها أي متعاقد فإن من حق المتعاقد المضار أن يطلب من الطرف الآخر مشاركته في الخسارة التي تحملها فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً).
وغالباً ما يتم التمسك بالظروف الطارئة عن طريق الدفع الذي يثبته المدين عند رجوع الدائن عليه بتنفيذ الالتزام أو بالتعويض أيضاً، ولكن لا يوجد ما يحول دون التمسك بها عن طريق الدعوى الابتدائية التي يرفعها المدين على الدائن طالباً رد التزامه إلى الحد المعقول، وفي كلتا الحالتين يتحمل المدين عبء إثبات الظروف الطارئة والشروط اللازمة لتطبيقها. ويكون الإثبات بكافة الطرق المقررة قانوناً لأنه يرد على واقعة مادية، مفاد ذلك أن المحكمة لا تطبق نظرية الظروف الطارئة من تلقاء نفسها وإنما بموجب طلب المدين ويقع باطلاً أي اتفاق تم على عدم خضوع الالتزامات إلى هذه النظرية قبل حدوثها، أما بعد حدوث الظرف الطارئ فيجوز الاتفاق على التنازل عن تطبيقها.
متى توافرت شروط تطبيق النظرية يصبح للقاضي السلطة التقديرية الواسعة لتقدير خسارة المدين وكيفية رد الالتزام للحد المعقول، وإن التعديل يشمل فقط التزام المدين دون الدائن، حيث يكون لهذا الأخير الخيار بين فسخ العقد دون تعويض وبين قبول التعديل الذي يجريه القاضي لرفع الإرهاق الذي يقتصر فقط حتى زوال الظرف الطارئ. كما يجوز للقاضي إذا رأى أن الظرف مؤقت أن يوقف تنفيذ عقد المقاولة حتى زوال الظرف إذا لم يترتب على ذلك ضرر للدائن.
وعليه إن سلطة القاضي بتعديل الالتزامات ضمن نظرية الظروف الطارئة تعد قاعدة متصلة بالنظام العام لا يجوز الاتفاق على استبعادها بوضع شرط يمنع القاضي من سلطة التعديل.
@FarisLawksa