منذ سنوات طويلة والدعوة إلى التحول الإلكتروني في جميع المجالات تتردد في كافة الدول والمجتمعات، وفيما قطعت دول ومجتمعات عديدة مسافات طويلة على طريق هذا التحول إلا أن دولا أخرى قطعت مسافات محددة وغيرها أقل منها كذلك.. ولكل مجتمع أو دولة عذره وظروفه التي تساعده على السير أكثر أو أقل في هذا الطريق الذي لا يختلف اثنان على أهميته وضرورته، بل وحتميته أيضا، خاصة وأن العالم كله يسير بهذا الاتجاه، وأن لحظة قادمة لا بد منها يكون التعامل بين الشعوب والأمم والدول، بل وبين الأفراد رقميا، وأنه سيكون لغة عالمية لا يستطيع من لا يتقنها أن يتواصل مع الآخرين، أو يقضي حاجاته ويدير حياته.. وكان الحديث عن أهمية التعليم الإلكتروني بشكل خاص هو من أعلى الأصوات المنادية بهذا التحول لسبب بسيط، هو أن المؤسسة التعليمية بكافة مستوياتها هي التي كانت دائما في طليعة قيادة التغيرات الإيجابية في حياة الأمم والشعوب، وهي بذلك الأولى بقيادة هذا التغير أيضا، بل هو في طليعة مسؤولياتها باعتبار مخرجاتها هي التي تتيح لكافة قطاعات الحياة الأخرى القوى البشرية التي تجعل هذا التحول ممكنا وواقعا ومضمونا. ومع أن دولنا سارت بنسب متفاوتة خطوات على هذا الطريق الطويل إلا أن الضرورة التي ألزمتنا باللجوء إلى التعليم عن بعد باعتباره الخيار الوحيد في زمن كورونا.. هذه الظروف أوضحت الكثير مما كنا نحتاج إلى وقت طويل لاكتشافه ومعرفته ومن ذلك أن كل ما قطعناه في هذا الطريق لم يكن كافيا، وأنه يظل محدودا أمام متطلبات التطبيق والتوظيف الأمثل للتقنيات في هذا المجال، خاصة في مجال البنى التحتية، وإعداد المقررات الملائمة لهذه الإستراتيجية من التعلم، وكذلك قلة العناصر البشرية المدربة لممارسة التعلم عن بعد من المعلمين، إضافة إلى تهيئة الطلاب والأسر والمجتمع لأداء الدور المطلوب من كل منهم في هذا النوع من التعلم. ربما لم يكن الوقت متاحا لتلافي النقص في ظل الظروف المفاجئة التي فرضت دون سابق إنذار توقف الجامعات والمدارس ورياض الأطفال عن استقبال الطلاب حضوريا.. هذه الظروف ربما لم تتح الفرصة لاستكمال النواقص وخاصة أنها تحتاج إلى وقت وتمويل وتدريب وإمكانيات لا يمكن توفيرها في ظل ظروف تتطلب توفير ضروريات أهم للناس من حيث مواجهة المرض والعلاج والطعام والشراب والخدمات الأكثر ضرورة، إلا أن درس كورونا ينبغي أن يولد لدينا العزيمة والتصميم على أن نعد أنفسنا لاستكمال خطوات التحول الإلكتروني في جميع المجالات، وتوظيفه في كل الأحوال، فهو ضرورة وله فوائد عديدة يلمسها كل من يوظفه في حياته من الأمم والشعوب والأفراد.. ربما كان الحديث عن استخدام التقنية في التعليم قد كان له نصيب الأسد في حديثنا لكن ضرورته وفائدته في جميع الأعمال والوظائف لا تقل أهمية ولا نفعا عنها في مجال التعليم، مما ينبغي منه عقد العزم - إن شاء الله- على تبني الحلول الإلكترونية لكافة المواقف في مجالات الحياة والعمل جميعها، ولا شك أن النجاح ولو بحل بعض المشاكل جزئيا بهذا الأسلوب أثناء الأزمة سيكون دافعا ليس للتفكير بتبني التحول الإلكتروني للخدمات والتعاملات في العمل والحياة والبيع والشراء والعلاج وحتى الزراعة أيضا، بل والإسراع بإيجاد التطبيقات والوسائط التي تجعل ذلك أسلوب حياة لنا جميعا، عند ذلك سوف تكون لدينا الجاهزية لمواجهة كافة الظروف والأحوال التي ليس هناك ما يمنع - لا سمح الله- حصولها في أي وقت من الأوقات، علاوة على ما سوف يوفر للبشرية من فرص لتطوير هذا النوع من الأعمال والآليات مما يهيئ ظروفا إنسانية وعملية أفضل، ويوفر النفقات والوقت والجهد، ويجعل الأعمال تتم وتنجز بأساليب أكثر سرعة وإتقانا وأقل تكلفة، وهو ما أمضت البشرية قرونا عديدة للسعي إليه، وذلك سيتم فقط عندما تدرك الدول والأفراد وأصحاب رؤوس الأموال والجامعات أن على كل منها دورا لا بد أن تؤديه لتحقيق ذلك، وأننا جميعا سوف نجني ثمار جهودنا في جعل هذا الهدف ممكنا - بإذن الله-.
fahad_otaish@