تداعيات وباء كورونا.. الفقر يضرب الجنوب الإيطالي

تمكنت إيطاليا من احتواء تفشي فيروس كورونا المستجد، والمدمر، في شمال البلاد، ولكن التداعيات الاقتصادية للوباء طالت شتى الأنحاء، خاصة في منطقة مثل «ميتسوجيورنو» في الجنوب حيث يكافح الملايين من أجل العيش.
احتواء الفيروس
وخلفت الإجراءات التي هدفت إلى احتواء فيروس كورونا آثارا مأساوية على حي «بالارو» التاريخي في مدينة «باليرمو»، والذي كان يوما ما مفعما بالحياة.
وتقول أليسيا روتولو لوكالة الأنباء الألمانية: «عندما بدأ تطبيق الإغلاق، أدركنا على الفور أن الموقف قد يصل إلى درجة الانفجار، لأن كثيرا من العائلات وجدت نفسها فجأة دون مصدر عيش».
وروتولو متطوعة في مجموعة «اس او اس بالارو»، المجتمعية التي تقوم بتوزيع المعونات الغذائية على حوالي 1500 من الفقراء، في إطار حملة عامة ناجحة لجمع التبرعات.
ويشغل سوق المواد الغذائية الشهير قلب حي «بالارو»، ويمثل مقصدا سياحيا يعود تاريخه إلى القرن العاشر الميلادي، كما أنه مصدر دخل رئيسي لسكان المنطقة الذين ينتمون لعرقيات مختلفة.
ولكنه صار الآن ظلا لما كان عليه في الماضي، حيث جرى إغلاق حوالي نصف عدد المحال التجارية الموجودة به. كما أغلقت مطاعم ومحال كثيرة أبوابها في إطار حالة الإغلاق العام بالبلاد للحد من تفشي الفيروس.
وصار المئات من العمالة المؤقتة، أو الذين يعملون بشكل غير رسمي، من دون سبيل لكسب العيش، وهم غير مشمولين بنظام الرعاية من قبل الدولة.
تداعيات القيود
وساعد الإغلاق العام الذي فرضته إيطاليا في العاشر من مارس الماضي، في احتواء الوباء المدمر في المناطق الشمالية، الثرية، من البلاد، وتجنُب انتشار جغرافي لكارثة تتعلق بالصحة العامة.
ولكن التكاليف الاقتصادية لهذه القيود كان لها تداعيات تردد صداها في شتى أنحاء إيطاليا، وقد تركت آثارا شديدة على الجنوب الذي يعاني تاريخيا من التخلف، والمعروف باسم «ميتسوجيورنو».
وبحسب معهد أبحاث «سفيميز»، المعني بالتنمية الاقتصادية في «ميتسوجيورنو»، فقد حوالي 1.4 مليون شخص في الجنوب الإيطالي مصدر دخلهم المنتظم، ولا يستطيع أي منهم المطالبة بالمزايا التي تقدمها الحكومة.
ويتضمن هذا الرقم العمالة غير المنتظمة، والتي يصل عددها إلى 600 ألف، وهم مستبعدون من الإحصاء الرسمي للبطالة، وأيضا من برامج الدعم الحكومية، بالإضافة إلى أكثر من 800 ألف في ما يعرف باسم «الاقتصاد الأسود»، وهو التعاملات التجارية التي تتحاشى جميع القوانين الضريبية والتشريعات التجارية، وهي جزء من النشاط الاقتصادي غير القانوني الذي لا تتضمنه بيانات الناتج المحلي، وهو بعيد عن قوانين الدولة وسيطرتها.
وقال مدير «سفيميز»، لوكا بيانشي: «نحن نتحدث عن منطقة تعاني مستويات فقر فوق المتوسط»، وحذر من سقوط عائلات كثيرة أخرى في براثن الفقر، وهو ما «قد يثير توترات اجتماعية».
وفي أواخر شهر مارس الماضي، حاولت مجموعة من الأشخاص في باليرمو سرقة كميات من المواد الغذائية من سوبر ماركت، ويبدو أن ما شجعهم على ذلك هو رسائل تحض على الثورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نشرها أشخاص على علاقة بمافيا صقلية (كوزا نوسترا).
وبدأت الشرطة على الفور فرض حراسة على منافذ بيع المواد الغذائية، في حين خصصت الحكومة 400 مليون يورو لتوفير قسائم لتوزيع الطعام على الفقراء الذين يعانون من الجوع.
وحذر العديد من خبراء الجريمة من خطورة أن تستغل عصابات المافيا أزمة كورونا. وقالوا إن رجال العصابات قد يقومون بتوزيع المعونات الغذائية لتعزيز وجودهم بين السكان، وفرض سيطرتهم على الشركات المتعثرة.
وقال بيانشي: «أحد الهموم الرئيسية لدي هو احتمال أن تبسط عصابات الجريمة المنظمة الكيان الوحيد الذي يتمتع بسيولة مالية في الوقت الحالي، نفوذها على الاقتصاد الرسمي».
وأضاف: «اقتصاد الجنوب الإيطالي يشبه غواصا لا يملك كمية كافية من الأكسجين في خزانه، ولذلك يستطيع المقاومة لفترة قصيرة تحت المياه».
وختم بقوله: «كلما استغرقت الدولة وقتا أطول للتحرك، يصبح الموقف خارج نطاق السيطرة، في ظل تعرض مزيد من الأعمال للغلق، وسقوط مزيد من الأُسر في الضائقة، ووقوف المافيا على أهبة الاستعداد».