من الأشياء الجميلة، والممتعة لدى من يكتب للناس بشكل منتظم أن يقع تفاعل بين الكاتب، بما يكتبه، وبين القرّاء. وجرت العادة في مجال الإعلام، والنشر أن تحث المؤسسات الصحفية، والمسؤولون فيها الكتاب على نشر ما يكتبون وإيصاله الى أكبر عدد من القرّاء، وعبر كل الوسائل الممكنة، وهي اليوم كثيرة، ومتعددة ولكن القليل ربما يكون القارئ المهتم، والذي يمكن أن يعطي جزءاً من وقته لمقال في الغالب يفوق الخمسمائة كلمة.
في مقال الأسبوع الماضي المعنون بـ«إسرائيل عملية سرية»، والذي تحدث في جوهره عن استخدام الطيور الجارحة والمعمرة «النسور» في عمليات جمع المعلومات التي لا تخلو من شكل من أشكال التجسس. أقول هذا المقال لقي حفاوة لم أكُ أتوقعها من الناس الذين درجت العادة أن تصلهم مقالاتي. وتوقفت أمام مجموعة عبارات جاءتني تعليقاً على المقال، سأختار لكم بعض هذه العبارات. التعليق الأول الذي استوقفني تحدث بتفصيل عن أن استخدام الجامعات، والمراكز البحثية في العالم دأبت على استخدام الطيور عموما في أبحاثها ومشاريعها العلمية البحتة، وأن النسر الإسرائيلي المنشأ الذي تم اصطياده في تبوك مؤخرا ربما لا يخرج عن طائر يستخدم في عمليات بحث علمي لا أكثر ما لم يثبت العكس ويتضح أن هناك أجهزة تجسس معروفة مثبتة على بدن الطائر أو في أقدامه. قد يكون كلام القاري صحيحا، وهو محق في أن حقيقة هذا الطائر لم تعلن عنها الجهات المختصة وتؤكد أنه طائر تجسس، ولكن ردة فعل الجهة التي اتصل بها الشباب الذين أوقفوا النسر تثير كثيرا من الاستفهامات، لماذا كان هناك محاولة لإغراء الشباب بأنهم سيحصلون على مكافأة مجزية إن هم أعادوا الطائر دون إبلاغ الجهات السعودية المختصة. الشيء الآخر معرفتنا تقليديا بولع الجانب الإسرائيلي بالتجسس بشكل مطلق في معناه الأولي الذي هو هوس بجمع المعلومات عن كل شيء عن الإنسان والنبات والحيوان والطبيعة، إضافة إلى تاريخ إسرائيلي مليء بحوادث التجسس حتى على أقرب الحلفاء لدولة إسرائيل، وأعني بها الولايات المتحدة الأمريكية حيث هناك عشرات القصص والحوادث التي تثبت ضلوع الجانب الإسرائيلي في عمليات تجسس أمنية، وعلمية، وعسكرية، على الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي توصف عالميا بأنها الراعي والحامي لإسرائيل، ثم هناك هاجس التجسس الذي ربما أصبح جزءا من الشخصية الإسرائيلية والذي يمكن تلمسه بوضوح في علاقة الإسرائيليين كدولة، ونظام، وأجهزة بتوظيف عشرات الآلاف من الفلسطينيين للتجسس على التنظيمات الفلسطينية، وعلى الناس، والحياة اليومية لهم. حتى أصبح هناك فلسطينيون هاربون من عار التجسس لإسرائيل ويعيشون في المدن الإسرائيلية.
أحد ردود الأفعال تلقيتها من قارئ قال بالحرف الواحد: «أحييك، وارفع لك القبعة، مقال يثلج الصدر» مثل هذا الرد يجعلني أصنف هذا القارئ في خانة القرّاء الذين يعرفون الكثير عن طبيعة النظام والشخصية الإسرائيلية المسكونة بهاجس التجسس حتى على الدول العظمى وعلى مشاريعها الإستراتيجية والعملاقة في الذرة وعالم الفضاء وعلى قواتها العسكرية، إسرائيل لديها ذعر لم تجد له طريقا إلا عبر الرد المضاد بالتجسس بكل صوره وأشكاله. قراء آخرون كتبوا لي عبارات عادية، وربما مكررة، يفهم منها أنهم ربما اطلعوا على المقال، هذه العبارات مثل قول أحدهم: «سلمت الأنامل يا فلان» أو مثل أن يقول آخر: «سلم اليراع» واليراع في معاجم اللغة منه حيوان -حشرة- تضيء في الظلام، ومنه أيضاً نوع من القصب يتخذ منه الأقلام.
هذه ردود ومساهمات بسيطة من القرّاء ولكنها تحمل معاني كبيرة للكاتب، وتخلق مفاهيم أوسع وأعمق لدى القرّاء حول الدول، والشعوب، وأخلاقهم في السلم، وفِي الحرب.
salemalyami@