والمثير للتفكير أنه في هذا الشهر الفضيل يستطيع الإنسان المشغول جدا أن يجد الوقت الكافي للعمل والاجتماعات وإنجاز المهمات، وأيضا يجد الوقت للصيام والصلاة والتراويح، وقراءة القرآن، وقراءة بعض من الكتب، كل ذلك ينجره تقريبا بشكل يومي طوال أيام الأسبوع. وهذا دليل واضح، وإجابة بسيطة ومباشرة للمشغولين بالأعمال والمهمات العملية والحياتية طوال العام أن هناك متسعا من الوقت في حياتهم للغذاء الروحي. فلعلها فرصة مواتية أن يستفيدوا من رمضان في جدولة حياتهم بطريقة عملية طوال أيام السنة تجمع لهم بين الدين والدنيا.
ولا تندهش حين أقول لك إن الإنسان المشغول هو الذي يستطيع أن ينجز أعمالا أكثر من الإنسان الفارغ! والواقع المشاهد أنك إذا أردت أن تنجز عملا مهما وبسرعة وبفعالية، فأوكله إلى الموظف المشغول! وأما الموظف الفارغ، فإنه سيجد ألف عائق لتأخير المهمة والعمل. بينما الموظف المشغول سيبحث عن ألف فكرة لإنجاز العمل بسرعة وبطريقة صحيحة.
وأعتقد أنه يمكننا أن نتصور أنفسنا كموظفين في هذه الحياة من أجل العبادة والعمل وعمارة الأرض. والموفقون هم الذين يحاولون جهدهم أن يوازنوا بين كفتين، كفة الدنيا وكفة الآخرة. وهاتان الكفتان لا يوجد بينهما تعارض، بل هما يكملان بعضهما البعض، فالإنسان مخلوق من الطين ونفخة من الروح. ونحن في مثل هذه المواسم (شهر رمضان) نثبت لأنفسنا أن الإنسان المشغول يستطيع أن ينجز في الدنيا أعمالا وفي الآخرة أعمالا، والله سبحانه وتعالى يقول: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ۖ ولا تنس نصيبك من الدنيا».
ونحن في الحقيقة محظوظون لأن أعمالنا الدنيوية حين نضبط النية لها تتحول إلى أجر في الآخرة. وهذه من فضائل ديننا العظيم والرائع الذي يتعامل مع الإنسان بطبيعته، ويعامله على قدر استطاعته، ولذلك هو الدين الكامل. وقد قال سبحانه وتعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا».
وها هو رمضان يأتي في كل سنة ليقول لهؤلاء المشغولين طوال العام، والراكضين في جداول الأهداف والأعمال والاجتماعات والإنجازات، نعم، تستطيعون أن تجمعوا بين كل ذلك مع أداء الصلاة والصيام وقراءة القرآن في اليوم الواحد، وقد جاء رمضان ليثبت لنا ذلك خلال شهر كامل.
ولعلنا لا نغالي أيها السادة المشغولون إذا قلنا: إنكم ستجدون حتما بركة الوقت جلية في رمضان. فهو شهر له خصائص ومميزات عن باقي الشهور ليدربنا على اللياقة الروحية. وهو سيظل معنا 30 يوما حتى نكتسب ونتقن تلك اللياقة، ثم علينا أن نواصل العمل بدونه طوال أحد عشر شهرا. وستبقى مهمته أن يعود علينا في كل سنة مرة حتى يذكرنا، ويشد من عزائمنا، ويقوي أرواحنا.
وبوضوح أكثر رمضان يثبت لنا معنى البركة في الأوقات من خلال الجداول اليومية المزدحمة بالأعمال والنشاطات، وذلك يشبه ما نسميه الفعالية في العمل والإنجاز. وأذكر مما قرأت منذ زمن أن ذكر الله سبحانه وتعالى من الأعمال البسيطة والسهلة وأجرها عظيم، ولكن القليل هم الذين يداومون عليها أو يتذكرونها!، وتلك فقط صورة واحدة من صور كثيرة لمعنى البركة في الأوقات والأعمار والأعمال.
وخلاصة القول، ليس المهم أن تكون مشغولا بكثرة، ولكن المهم أن تكون مشغولا بفعالية وبركة.
توتير abdullaghannam@