قبل الحديث عن الاختبار التحصيلي واختبار القدرات لابد من إلقاء الضوء على مدلول مصطلح كل منهما، وذلك بسبب الطبيعة العلمية لكلا المصطلحين والتي قد تكون معرفتها على وجه الدقة محصورة بالمتخصصين وذوي الخبرة، ولأن موضوع إجراء هذه الاختبارات هو في الضرورة بمكان للعديد من أفراد المجتمع ومنهم الطلاب والطالبات وأولياء الأمور والمعلمون والمعلمات، خاصة في مثل هذه الظروف الراهنة التي تقتضي إجراء الاختبار التحصيلي عن بعد في ظروف تختلف عن الظروف العادية التي كان يجري فيها الاختبار حيث كانت الجهات المختصة تحرص كل الحرص على تكافؤ الفرص بالنسبة لجميع المتقدمين، سواء من حيث نماذج الأسئلة الموحدة والتي هي بالطبع أسئلة مقننة، أو من حيث الظروف التي يجري فيها الاختبار، أو من حيث التصحيح وإجراءات النتائج وغير ذلك من الأمور التي تكفل فرصا متساوية للطلاب والطالبات، وتعمل على أن تكون النتائج تمثل حقيقة مستويات المتقدمين، حيث إن النتيجة كما هو معلوم هي من أهم العوامل التي يجري بموجبها قبول الطلاب في الجامعات، بل وقبول الطلاب في تخصصات معينة فينافس الطلاب على الالتحاق بها؛ الأمر الذي يجعل عدم الدقة في النتائج يحرم بعض الطلاب من التخصصات التي يودون الالتحاق بها، فيما قد يعطى حقهم لمن هم أقل كفاءة للالتحاق بهذه التخصصات، وخاصة التخصصات العلمية التي تشهد إقبالا من الطلاب وفي مقدمتها التخصصات الطبية والهندسية.. ولم يكن هناك خلاف بوجه عام على أهمية هذه الاختبارات، وإمكانية الأخذ بها في قياس أداء الطلاب، واعتماد نتائجها معيارا للقبول في المرحلة الجامعية في الظروف العادية، حيث كانت كما قلنا تتخذ كل الأسباب ليتقدم الطلاب في ظروف متماثلة مما يجعل النتائج أقرب إلى الدقة والمصداقية. ومع الإعلان عن العزم على إجراء الاختبار التحصيلي في موعده القادم عن بعد مراعاة للظروف الحالية، فقد اختلفت الآراء وخاصة آراء المختصين والأكاديميين في إمكانية تحقيق الاختبار للأهداف المقصودة من إجرائه أساسا وهو الكشف عن مستويات الطلاب، وأحقيتهم في المنافسة على المقاعد الجامعية بشكل عام وعلى التخصصات المطلوبة على وجه الخصوص، ولكل من الفريقين رأيه ومبرراته، بينما يقول المؤيدون لإجراء الاختبار إنه الطريقة المثلّى المتاحة للتعرف على مستويات المتقدمين من الطلاب الذين ينهون هذا العام المرحلة الثانوية ويودون الالتحاق بالجامعات، وإن إجراءه عن بعد سوف يحقق أقرب نسبة ممكنة من حقيقة مستواهم يمكن تحقيقها أكثر من أي أسلوب آخر قد يعتمد للتعرف على مستوياتهم، وإن إجراء الاختبار عن بعد ليس بدعة، خاصة وأن العملية التعليمية نفسها قد تحولت في هذه الظروف الحالية إلى التعليم عن بعد، وهو الأمر نفسه الذي حصل في كافة نواحي الحياة، كما أن هناك الكثير من المؤسسات العلمية العالمية الحالية تعتمد أمثال هذه الاختبارات بنفس الأسلوب حتى في الظروف الحالية وإن كان ذلك يتم في مراكز معينة ومهيأة للتأكد من مصداقية إجراء الاختبار في ظروف تضمن الأداء وعدم وجود أية فرص للتزوير أو التحايل وخاصة من حيث المراقبة والمتابعة الدقيقة. إلا أن أصحاب الرأي الآخر يقولون إن الاختبار التحصيلي ربما لا يكون ضروريا أصلا، وإنه يمكن الاكتفاء باختبار القدرات والذي خضع له معظم الطلاب قبل الظروف المستجدة، أو يمكن الاعتماد على نتائج الفصل الأول، خاصة بالنسبة لمن لم يتمكن من إجراء اختبار القدرات في الأوقات التي سبقت الأزمة، كما أنهم يقولون باستحالة تحقيق إجراء الاختبار في الظروف الحالية منزليا مع المساواة في الفرص بين الطلاب حيث بينت فرصة التحول إلى التعليم عن بعد في الفترة الماضية العديد من الثغرات التي تحول دون ذلك، وأهمها أن أعدادا كبيرة من الطلاب قد لا تتوافر لهم أجهزة الحاسب اللازمة لإجراء الاختبار، كما أن عددا أكبر منهم لا تتوافر لديهم تغطية شبكات الاتصال ومنهم القاطنون في الأماكن البعيدة وإن توافرت فإن الانقطاعات تتكرر أحيانا، وهو ما يمكن أن يحدث أثناء إجراء الاختبار إضافة إلى أن تجربة الطلاب مع هذا النوع من الاختبارات وكذلك الأهالي محدودة، كما أن إمكانيات التحايل بصراحة في إجراء الاختبار من قبل بعض ضعاف النفوس وهم موجودون في كل الأحيان والمجتمعات قد تحول دون تحقيق الاختبارات المستويات المعقولة من المصداقية والقبول، وكلا الفريقين تستحق حججه وذرائعه الدراسة والأخذ بالاعتبار.. فهل يمكن أن يجتمع الفريقان لحوار هادف وموضوعي بهدف الوصول إلى حل ثالث يحقق الهدف الذي يجمع الجمع، وهو تهيئة فرص متساوية للطلاب والطالبات للمنافسة على المقاعد والتخصصات الجامعية تنافسا موضوعيا يجعل الحصول على المقعد للأجدر والأكثر استحقاقا ليس من أجل مصلحة الطالب فقط وإن كانت تهمنا جميعا، بل أيضا لمصلحة الوطن الذي ينتظر مخرجات التعليم الجامعي ذات الكفاءة والقدرة لبنائه وتحقيق طموحاته.
fahad_otaish@